ارتدى الزعيم الديني مقتدى الصدر زياً عسكرياً، واجتمع بقادة فصيله المسلح «سرايا السلام» استعداداً لتظاهرة يريدها «مليونية» و«مهيبة» في ساحة التحرير، وسط بغداد اليوم، فاستبقه رئيس الحكومة حيدر العبادي بتنظيم استعراض سريع للقوات العسكرية وفصائل «الحشد الشعبي» في الساحة ذاتها، وهي القاسم المشترك بينهما، والشاهد على مخاوف أهالي العاصمة من صدام غير مستبعد بين الفصائل والقوى الشيعية في حال نفذ أنصار الصدر تهديدهم باقتحام المنطقة الخضراء. استعراض العبادي نظم رسمياً لمناسبة إعلان الجمهورية في ذكرى ثورة 14 تموز 1958، وللمرة الأولى يحتفل بهذه المناسبة، حتى في ظل حكم الرئيس الراحل صدام حسين المعروف بميله الى الاستعراضات العسكرية. ومع قدوم الدبابات المحملة على شاحنات ومدافع داخل الشوارع الضيقة، مخترقة شارع السعدون وصولاً الى ساحة التحرير، تكون المرة الأولى ايضاً التي ينفذ فيها استعراض عسكري في هذا المكان. لم يلقِ العبادي الذي وقف يحيي جحافل الجيش و «الحشد الشعبي» من على منصة خشبية صغيرة تحت نصب الحرية، كلمة في المناسبة، فالاستعراض لم يدم أكثر من ساعة، إذ انسحبت الأفواج والدروع والمدافع والدبابات باتجاه المنطقة الخضراء التي شهدت إجراءات أمنية غير مسبوقة بإغلاق الشوارع حولها وفي محيطها البعيد، فضلاً عن الجسور والساحات استعداداً لتظاهرة الصدر التي نصح العبادي بعدم إجرائها للحفاظ على الوحدة الوطنية. لكن الزعيم الديني الذي ظهر في مكان تفجيرات الكرادة مساء الأربعاء، مرتدياً الزي العسكري لتعزية أهالي الضحايا، عاد بعد منتصف الليل للوقوف تحت نصب الحرية بلباسه الديني ليطمئن أهالي بغداد إلى أمنهم، ويحض أنصاره على عدم الاعتداء على الجيش والشرطة، ويطالب بمحاسبة الفاسدين وتنفيذ الإصلاحات. تحركات الصدر في بغداد شملت أيضاً شرق العاصمة، وقرئت على نطاق واسع بأنها تهديد مباشر لحكومة العبادي، فقد سبق لأنصاره أن اقتحموا المنطقة الخضراء مرتين، الأولى عندما احتلوا مبنى البرلمان، والثانية باقتحامهم مبنى مجلس الوزراء، ما اعتبر إهانة بالغة لهيبة الحكومة التي أصرت هذه المرة على مواجهة التحركات في المنطقة. وأجرى العبادي سلسلة تغييرات في المناصب الأمنية شملت المسؤولين عن حماية بغداد وقائد العمليات وعدداً من كبار الضباط في الجيش والشرطة والاستخبارات. وضاعفت رسائل العبادي والصدر مخاوف البغداديين، حتى قبيل ساعات من التظاهرات، فالمدينة تدرك حجم المسلحين وقدرتهم على خوض مواجهات عنيفة، مثلما تدرك أن القوات الحكومية امتصت صدمة اقتحامات «الخضراء» السابقة ومستعدة لرد التحدي. ولكن، على رغم المخاوف يؤكد مقربون من الرجلين أن رسائل التهديد التي أطلقت خلال اليومين الماضيين لن تصل إلى مرحلة المواجهة. من جهة أخرى، قال عضو «التيار المدني الديموقراطي» جاسم الحلفي ل «الحياة» أن «تظاهرة موحدة من الصدريين والمدنيين ستنطلق صباح غد (اليوم) للمطالبة بإصلاح حقيقي ومحاسبة المفسدين واستعادة الأموال المسروقة بتغطية صفقات مشبوهة لا تحقق إلا طموحات القائمين عليها». ولفت إلى أن « التيار يتفق مع جماعة الصدر ضمن حدود ساحات الاحتجاج والمبادئ والأهداف العامة فقط»، موضحاً أن «الهدف الذي يجمعنا هو إطاحة الفساد وأبطاله وما بعد ذلك لنا مسارنا الخاص في رسم شكل إدارة البلاد ومضمونها، بما يحقق المصلحة العامة»، مؤكداً أن «لجنة التنسيق حصلت على الموافقات الأمنية للتظاهر»، ونفى انشقاق صفوف المدنيين، موضحاً: «لسنا تحالفاً حزبياً أو سياسياً، نحن تيار مدني قوامه شريحة المثقفين والمتنورين، نعتمد الشفافية في الطروحات ونبتعد عن المجاملات السياسية والحزبية». وكانت لجنة التنسيق أعلنت في بيان، أن «عاماً كاملاً يوشك أن ينقضي على انطلاق حراكنا الاحتجاجي السلمي وما زلنا مستمرين فيه»، وأضافت أن «أحزاب السلطة تؤكد أنها لا تريد الإصلاح، ولا ترغب في أن تستقر أوضاع العراق والمتنفذون يتمسكون بالمحاصصة، ويعلنون حمايتهم الفاسدين والفاشلين ولا عذر لهم أمام الشعب»، كما أكدت «الاستمرار في التظاهر، والثبات على سلمية الحراك الاحتجاجي من دون كلل ولا ملل». وزادت أن «لا تراجع عن مطالب الشعب بالإصلاح، ولا تراجع عن ساحات الاحتجاج، إلا بتحقيق ما خرجنا لأجله»، موضحة أن «الجمعة (اليوم) موعد الشعب مع الفاسدين المفسدين في ساحة التحرير».