في إطار الدعوات العالمية الرامية إلى تصويب الخلل في نظام الأمن الغذائي، تحذّر المنظمات الدولية والأهلية المعنية بالصحة والتغذية من وقوع الأطفال في شرك مافيات الوجبات السريعة «فاست فود» و»جانك فود» المشبعة بالدهنيات والزيوت الثقيلة. ويطلق عليها بيار غوسلان، الباحث الكيبيكي في المعهد الوطني للصحة، تسمية «مصائد بشرية فتاكة» توهم المستهلكين بأنها تقدّم أفضل الوجبات بأبخس الأسعار، علماً أنها مدعومة بأقوى شبكات «الماركتنغ» ذات الإمكانات المالية الضخمة والخبرات الطويلة قي فنون التسويق والتشويق والترغيب. وتحذّر وزارة الصحة الكندية في بياناتها السنوية المستهلكين من خطورة الوجبات السريعة وتأثيرها في زيادة وزن الأطفال وارتفاع نسبة البدانة في أوساطهم إلى نحو 13 في المئة للذكور والإناث. وتلفت إلى أن هاتين الظاهرتين ليستا، من المؤشرات الدالة على الصحة والعافية والرفاهية كما يشاع، بل هما حالتان مرضيتان تمثلان الوجه البشع لثقافة الاستهلاك وتعرّضان الأطفال للإصابة بالكوليسترول وأمراض القلب وتصلّب الشرايين. وتجنّباً لمثل هذا المصير المأسوي، أعلنت حكومة كندا أخيراً «الحرب» على المنتجات الغذائية التي تشتمل على معدلات عالية من الدهنيات المشبعة. وأصدرت قانوناً يحظّر على شركات الإنتاج طرح أي مواد غذائية في الأسواق تتجاوز نسبة الدهنيات فيها 2 في المئة، تحت طائلة الملاحقة الجزائية والغرامات المالية الباهظة وصولاً إلى حد إقفال المصانع المخالفة. كما أرغمها على وضع ملصقات على كل سلعة غذائية تظهر في شكل تفصيلي ما تحتويه من مواد مصنّعة ونسبتها وتاريخ انتهاء صلاحياتها. وصدر هذا القانون استجابة لطلبات شعبية ونقابية وصحية ودراسات إحصائية معمّقة. «مافيات» يخوض كل من منتجي «فاست فود» و»جانك فود» والدوائر الصحية العالمية والوطنية ما يشبه الحرب الدائمة. ففي حين تكتفي الهيئات الصحية عادة بالوعظ والإرشاد والتوصيات في المؤتمرات المحلية والدولية، تلجأ مصانع الأغذية إلى «التآمر» مع ما يسميها بيشر نيامان، المسؤول عن الجمعية الوطنية لأمراض الطفولة في كيبيك، «مافيا الإعلانات» العالمية التي تعتمد أساساً على التلفزيون «الوسيلة الإعلامية والإعلانية الأهم للربح والتسويق». واللافت أن تلك المحطات تختار البرامج المحببة لدى الأطفال في شكل ذكي مضلل ومدروس. ويقول أحد الخبراء الأميركيين في التسويق جيمس ماكفيل في كتابه «الزبائن الأطفال»: «ينبغي أن نصوّب أنظارنا نحو الأطفال والمراهقين وفق إستراتيجية إعلانية ذكية تأخذ في الاعتبار رغباتهم وأذواقهم وسذاجتهم لأنهم مستهلكو الغد بامتياز». وفي المقابل، وعلى رغم ما تتخذه كندا من إجراءات قاسية وفرض غرامات باهظة، يشكك خبراء في التسويق بعدم قدرتها على مراقبة ما يسمونه «لوبي الإعلانات». ويرون ان الطريقة المثلى لحماية الأطفال لا تكون الا بالتربية أي بدخول التربية الإعلانية إلى المدارس وجعلها في صلب المناهج التعليمية، بغية تعويدهم على ثقافة الاستهلاك والتمييز بين الغث والثمين وكشف الأهداف الخبيثة في الإعلانات ومراقبة الأطعمة ومنع المشروبات الغازية المشبعة بالسكر في المدارس. ترغيب وتغريب والملاحظ أن ثقافة الوجبات السريعة ماضية بتغلغلها في أوساط الجاليات العربية وغير العربية ذات المنابت الشعبية والمتوسطة، لدرجة أنها أصبحت احدى مظاهر التغريب. فالأبناء لم يعودوا يستسيغون طعام إمهاتهم بعد أن اصبحت وجبات «مكدونالدز» مثلاً أطيب وألذ وأشهى، ونمطاً غذائياً يمهّد لتغريبهم عن محيطهم العائلي والوطني.