حرص وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إرولت على أن يكون مستمعاً خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين في بيروت وبكركي، في اليوم الثاني من زيارته لبنان التي شملت لقاءات مع المزيد من الأقطاب وأبرزها رئيسا المجلس النيابي نبيه بري والحكومة تمام سلام و «حزب الله». والموقف الذي كرره المسؤول الفرنسي، وفق مصادر لبنانية مطلعة على محادثاته، والذي ركز عليه مع زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري وآخرين، «أن لبنان له موقع خاص لدى فرنسا وتحاول جاهدة إبقاءه في الأولويات، لأن الشغور الرئاسي مميت للبنان وأن انتخاب الرئيس مفتاح لأمور أخرى». وذكرت هذه المصادر أن إرولت شدد خلال العشاء الذي أقيم في قصر الصنوبر مساء أول من امس، وشارك فيه سياسيون ورؤساء أحزاب وشخصيات، على أنه «آن الأوان لتطبيق القرار 1701، إذ إن تطبيقه يمكن أن يُسقط ذريعة انتشار «حزب الله» على الحدود». وذكرت المصادر أن إرولت خلال لقائه الحريري قال له: «إنك أول شخص نبه إلى مساوئ الشغور الرئاسي، وكان الحق معك، لأنك أطلقت الصرخة». وإذ شكره الحريري على اهتمامه بلبنان، لفتت المصادر إلى أن المسؤول الفرنسي لم يحمل أي مبادرة ولم يطرح أسماء للرئاسة وإنما كرر السؤال عن كيفية إنهاء الجمود وإشارته إلى أنه سيواصل جهده وسيلتقي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى جانب لقاء مرتقب مع رئيس الحكومة الروسية، وتأكيده أن على رغم انشغال العالم بالمنطقة المشتعلة، فإن همنا الضغط لإنهاء الشغور وأن يبقى لبنان أولوية المجتمع الدولي. ولفت إرولت، وفق المصادر، إلى المؤتمر الذي سينعقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة ويتعلق باللاجئين السوريين وسيتم تأكيد أن لبنان لا يمكن أن يتحمل الأزمة. وسمع الوزير الفرنسي من الحريري، وفق المصادر، أنه متمسك بالنائب سليمان فرنجية «مرشحه للرئاسة، وأنه لا يضع العوائق أمام أحد إنما إيران تفعل، وإلا لماذا لا يحضر نواب حزب الله إلى البرلمان لإكمال النصاب وانتخاب الرئيس؟ وتشديده على أنه لا فيتو من جانبه على أحد والذي يفوز أهنئه». ولمح الحريري خلال اللقاء مع إرولت، وفق المصادر، إلى أن «الجانب الإيراني هو من يشاغب على الجانب الروسي في ما يتعلق بتسوية الأزمة السورية، وأن حزب الله ارتكب خطأ فادحاً بالذهاب إلى سورية بطلب إيراني، والذي كانت له تداعيات على لبنان باستدراج الإرهاب إليه، والذي أنا كنت ضده، ولا أحد يزايد علينا في هذا الموضوع». وسمع إرولت من رئيس الحكومة تمام سلام، وفق المصادر المذكورة، شرحاً عن الأعباء التي يتحملها لبنان بسبب اللجوء السوري، وتأكيده أن «الحكومة هي أكثر جهة متضررة نتيجة الشغور الرئاسي، فالبلد لا يدار في ظل الفراغ وهو ليس أزمة محلية فقط وإنما هناك تداخل إقليمي ودولي وإصرارك على أن لبنان أولوية فرنسية شاهد على هذا التداخل». كما أكد سلام لضيفه أن لا موقف له ضد أحد من المرشحين، وإنما سأل إذا تعذر انتخاب رئيس من ضمن المرشحين الأربعة لماذا لا نذهب باتجاه مرشح آخر، فهناك في الطائفة المارونية أناس أكفياء ومعتدلون وحريصون على البلد». وسمع الوزير الفرنسي من رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط موقفه المكرر من أن لا مشكلة لديه مع المرشح النائب ميشال عون وإنما الأمر يتطلب إجماعاً، وأنه ضد أي اصطفاف. لقاء السراي وكان إرولت قال بعد زيارته سلام في السراي الكبيرة أمس، إن «لبنان كان وسيبقى أولوية الأولويات بالنسبة إلى فرنسا. وكانت فرصة لأعبر له عن التقدير الصادق الذي تكنه له فرنسا، ونحيي شجاعته والتزامه بكل صدق وإخلاص حيال لبنان. وهذا الاحترام ينبع أيضاً من كل اللبنانيين وكثيرين آخرين يريدون أن يستمر النموذج اللبناني الخاص مع الحفاظ على سلامة أراضي لبنان واستقلاله». ولفت إلى أن «الوضع السياسي يعقد مهمة سلام». وقال: «مصلحة الشعب اللبناني تقتضي الخروج من هذه الأزمة ليتمكن من مواجهة التحديات الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ومعالجة المسألة الشائكة المتعلقة باللاجئين المستمرة بسبب الحرب في سورية. وبقدر ما يتم الإسراع في إيجاد حل سريع للأزمة السياسية يخلق ذلك الظروف المواتية لتحسين الأوضاع في لبنان». وكشف إرولت أنه خلال عشاء قصر الصنوبر «وجهت الرسالة نفسها، ونداء للجميع كي يتحمل كل طرف مسؤوليته ويعمل من أجل إيجاد حل سياسي، الذي لن يتحقق إلا في إطار الحوار بين اللبنانيين، وفرنسا لن تألو جهداً في محاولة إيجاد حل، ولهذا السبب فإن لفرنسا حواراً دائما مع الشخصيات السياسية اللبنانية ومع كل الدول التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً. وبعد زيارتي سأستأنف اتصالاتي مع شركائنا العديدين». مؤسسة «عامل» وزار إرولت مركزاً ل «مؤسسة عامل» في حارة حريك والتقى رئيسها الدكتور كامل مهنا في حضور ممثلة مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار. واطلع على كيفية مساعدة اللاجئين السوريين صحياً وتعليمياً وتأهيلياً. وقال إرولت: «نقاتل من أجل حل سياسي لوقف الحرب، وغالبية اللاجئين السوريين في لبنان أملهم واحد وهو العودة إلى بلادهم، ولا يمكنهم ذلك إلا إذا توقفت المعارك والحرب، ولكننا نرى اليوم عكس ذلك، القصف يستمر واستؤنف في حلب، ووقف إطلاق النار سقط، وبالتالي يجب أن نعمل كي تصل المساعدات الإنسانية». وتحدث عن «أن نتيجة هذه الحرب تدمير البلاد وفرار ملايين اللاجئين، وبالتالي علينا من أجل بقائهم على قيد الحياة تقديم المساعدات لهم. فاللاجئون ليسوا في أوروبا إنما في الدول المجاورة لسورية، لبنان، تركيا والأردن، ومن الأهمية أن تجند الأسرة الدولية قواها والمانحين الذين اجتمعوا في لندن لتمويل هذه المساعدة»، مشيراً إلى التزام فرنسا «تقديم مبلغ 200 مليون يورو لمساعدة المنظمات التي تساعد اللاجئين في لبنان». وعن استقبال لاجئين سوريين في فرنسا، لفت إلى أن الرئيس فرانسوا هولاند «كان أعلن عن رغبة باستقبال ثلاثة آلاف شخص، وينكب الجهاز الفرنسي المتخصص على دراسة الطلبات وأعتقد أنه في هاتين السنتين سنكون وفّينا بالتزاماتنا». وشدد على وجوب «حماية لبنان من تداعيات النزاع السوري، ولبنان ليس طرفاً في هذا النزاع والشعب اللبناني لا يريد أن يكون ضحية للحرب في سورية، وهو حتماً ضحية غير مباشرة لها بسبب اللاجئين، ولكن المهم هو الحفاظ على أصالة لبنان. وإذا اتفقت القيادات اللبنانية، يمكن بذلك أن تنطلق عجلة الدولة بشكل أفضل وبفاعلية أكثر». بكركي وفي بكركي، أولم البطريرك الماروني بشارة الراعي على شرف الضيف الفرنسي في حضور السفير البابوي غبريال كاتشا وبطاركة الشرق وممثلين عنهم. وسبقت المأدبة خلوة بين الراعي وإرولت. وشكر الراعي في كلمة «لفرنسا اهتمامها في ما يتعلق باستمرار الفراغ الرئاسي منذ أكثر من سنتين والأزمة السياسية والمؤسساتية في بلدنا. وأكدتم التزام بلدكم وحدة لبنان وسيادته واستقراره. وأثرتم مختلف الاتصالات مع المسؤولين الإيرانيين والسعوديين الهادفة إلى إيجاد مخرج للأزمة ووضع حلول لها من اللبنانيين أنفسهم. مع تأكيد أن الجماعة السياسية والبرلمانية اللبنانية لا يمكنها أن تتخلى أبداً عن مسؤوليتها، غير أنها يجب أن تدرك أنها غارقة في التدخلات الإقليمية لدرجة ربط الانتخابات الرئاسية بالصراع القائم في سورية وبين إيران والمملكة العربية السعودية. وبالتأكيد يجب فصل الانتخابات الرئاسية عن هذه الصراعات التي قد تدوم طويلا». وذكرت مصادر لبنانية مطلعة على مواقف الراعي، أن الأخير يعتقد بضرورة عدم حشر اللبنانيين بين 4 مرشحين للرئاسة، «لأننا لن نصل إلى نتيجة»، ودعوته إلى التفكير بمرشح من خارج الأربعة لكنه لم يسم أحداً ولم يتخل عن الأربعة. وقال إرولت إن «وضع المسيحيين الشرقيين صعب جداً، ويتعين علينا اتخاذ قرارات، خصوصاً أن الكثير من المسيحيين يهاجرون من العراق وسورية ودول أخرى». وشدد إرولت على أن «لبنان رسالة وساحة ويجسد الحرية والاحترام والتوازن بين كل الطوائف ومكونات الشعب. وهذه هي المبادئ التي يجب أن تعاش، التعددية والتسامح، فلبنان يمكن أن يكون مثالاً شرط أن يتمكن من حل كل المشاكل السياسية التي يواجهها». وأضاف: «فرنسا لا تقرر مكان اللبنانيين إنما تساعد في تيسير الأوضاع». عند بري وقال إرولت بعد لقائه بري في مقر الرئاسة الثانية: «نحترم دوره المهم جداً الذي يلعبه ورعايته الحوار الوطني الذي هو ضرورة للبنان، ونظرته نظرة رجل وطني يحب بلده ويريد ويعمل على حل أزماته عبر الحوار بين جميع القوى اللبنانية، من أجل اتفاق متكامل يسمح في الوقت نفسه بانتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل الحكومة والمجلس النيابي من أجل مصلحة لبنان. ونعرف أن هذا الأمر صعب، لكنه ضروري». وجدد تأكيد أهمية «التنوع الطائفي في لبنان الذي يستحق أن يعيش في ظروف أفضل في هذا الشرق، وطريق البحث عن التوافق وطريق الحوار هما السبيل الأفضل من أجل ذلك». وختم إرولت لقاءاته بلقاء نظيره اللبناني جبران باسيل. وسبقت عشاء أول من أمس، لقاءات لإرولت مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «وحضر ملف رئاسة الجمهورية في مباحثاتهما»، بحسب المكتب الإعلامي لجعجع، ومع الحريري الذي غادر بعد اللقاء إلى الخارج في رحلة عمل. كما التقى عون، وكذلك رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية. وكان وزير الصناعة حسين الحاج حسن حضر جانباً من الكوكتيل الذي سبق العشاء وغادر قصر الصنوبر.