كشفت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع ان دمشق لعبت دوراً أدى الى خفض منسوب التوتر السياسي الذي ظهر جلياً من خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء اللبناني الأربعاء الماضي والتي غابت عنها كل أشكال الاشتباك السياسي بين القوى الرئيسة، بخلاف الأجواء التي كانت سائدة قبل عقد الجلسة أو عبر المؤتمر الصحافي الطارئ الذي عقده مساء أول من أمس الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، مع ان بعض الأوساط السياسية والإعلامية كان روج أنه سيقول فيه كلاماً سياسياً من العيار الثقيل. وقالت المصادر نفسها ل «الحياة» ان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عاد الاثنين الماضي من دمشق، بعد محادثات ماراثونية أجراها مع الرئيس السوري بشار الأسد، «ولديه رغبة أكيدة في الحفاظ على الاستقرار العام والابتعاد عن التوتر السياسي وهو تلاقى مع الأخير في هذا التوجه الذي غلب على جلسة مجلس الوزراء». ولفتت الى ان دمشق لم تتدخل مباشرة لدى عدد من الأطراف السياسيين الحليفين لها، بمقدار ما أطلقت مجموعة من الإشارات باتجاه معظم القوى المحلية، وأن قيادة «حزب الله» التقطتها كغيرها من القيادات خصوصاً ان المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل كان زار العاصمة السورية الثلثاء الماضي وعاد بأجواء تدعو الى التهدئة. وأكدت المصادر ان ما يهم دمشق في الوقت الحاضر الحفاظ على الاستقرار وتكثيف التواصل بين الأطراف اللبنانيين لا سيما الذين هم الآن في مواقع متعارضة، مشيرة الى ان الاستقرار خط أحمر بالنسبة للقيادة السورية التي تحض على التخفيف من حدة التجاذبات السياسية وتدعو الى اعتماد الخطاب الهادئ الذي يتيح لهذا الفريق أو ذاك التعبير عن وجهة نظره من دون ان يترتب عليها ارتدادات من شأنها ان تنعكس سلباً على الوضع العام. ورأت هذه المصادر ان تشديد دمشق على حماية الاستقرار العام ينطلق من سياسة الانفتاح القائمة بينها وبين قوى سياسية رئيسة بصرف النظر عن الاصطفاف السياسي الراهن في لبنان، إضافة الى أنها تقف ضد تعكير الأجواء مع تزايد الحديث عن استعداد الرئيس الأسد للقيام بزيارة قريبة جداً لبيروت. وفي هذا السياق، سألت «الحياة» جهات لبنانية رفيعة ما اذا كان الموعد النهائي لزيارة الأسد الى بيروت قد حدد بين الأخير ونظيره اللبناني العماد ميشال سليمان، فأجابت بأن الساعات المقبلة ستشهد اتصالاً بينهما يمكن ان يتفقا فيه على موعد هذه الزيارة. وأضافت الجهات الرسمية انها ترجح حصول الزيارة في الأسبوع الأول من آب (اغسطس) المقبل وتحديداً قبل حلول شهر رمضان المبارك، وبعد ان يكون امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد انهى زيارته لبنان التي تبدأ في نهاية الشهر الجاري ويحل فيها ضيفاً على سليمان ويحضر عيد الجيش اللبناني في الأول من آب. لذلك، فإن الهدوء ظل مسيطراً على الساحة المحلية باستثناء بعض المواقف فيما التزم النواب المنتمون الى «تيار المستقبل» التهدئة وتجنبوا الدخول في سجالات على خلفية ما أعلنه السيد نصرالله في مؤتمره الصحافي. وتبين ان نواب كتلة «المستقبل» آثروا التريث في الرد على بعض ما جاء على لسان السيد نصرالله باعتبار انهم اليوم على موعد مع المؤتمر التأسيسي الأول ل «تيار المستقبل» الذي تستمر أعماله حتى مساء غد، ويفتتح بخطاب لرئيسه سعد الحريري يحدد فيه مجموعة من العناوين الرئيسة لتوجهات المرحلة المقبلة. وقالت مصادر في «المستقبل» إن عقد المؤتمر يتزامن مع الظروف الاستثنائية التي يمر فيها البلد وإن الخطاب الذي يلقيه الحريري سيكون بمثابة الإطار السياسي العام لتوجهات التيار الذي سينتخب قيادة جديدة بعد يومين من النقاش يشارك فيه اكثر من 400 مندوب يمثلون جميع القطاعات والمناطق، إضافة الى انهم سيقرون التقرير السياسي الذي يتناول طبيعة المرحلة، لكن هذه المرة على قاعدة الانفتاح الذي بدأه الحريري باتجاه القيادة السورية والذي أدى الى طي صفحة الماضي وعدم العودة الى فتح دفاتر من الحقبة السابقة والتركيز على المستقبل والتطلع الى غد افضل يسهم في تعزيز العلاقات اللبنانية - السورية. وأوضحت هذه المصادر أن خيار الحريري الانفتاح على دمشق نهائي ولا عودة عنه انطلاقاً من المراجعة النقدية للسنوات الخمس الماضية، وغمزت من قناة السيد حسن نصرالله لجهة دعوته القوى في 14 آذار الى تقويم مواقفها ومراجعتها، وسألت: «ألم يكن انفتاحنا على سورية من الثمار الإيجابية لهذه المراجعة؟». وقالت المصادر ان الحريري شدد عندما رأس امس الاجتماع الأسبوعي لكتلة نواب «المستقبل»، على الابتعاد عن التوتر واعتماد الخطاب الهادئ والمضي في الانفتاح على سورية. وأضافت أن نواباً في الكتلة سألوه عن رأيه في كلام نصرالله في مؤتمره الصحافي في شأن المحكمة الدولية والقرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فأجاب بأنه لم يقل في اجتماعه الأخير بالأمين العام لحزب الله ان القرار الظني سيصدر ومتى ولا عن فحوى هذا القرار من انه سيوجه الاتهام الى عناصر من «حزب الله». ونقل النواب عن الحريري قوله إن الحديث عن المحكمة الدولية جاء في سياق التعليق على مواقف صادرة عن عدد من المسؤولين في المعارضة سابقاً وعن وسائل إعلام حليفة لها «وقلنا في حينها إذا كان ما يتداوله هؤلاء سيحصل، إن مسؤوليتنا انا وإياك العمل من اجل درء الفتنة».