اعتقلت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في 6 أيار (مايو) 2010 أمير مخول، القيادي البارز في الأراضي المحتلة عام 1948، بتهم أمنية ملفقة «وهي تنسب إليه القيام بمخالفات الاتصال بعميل أجنبي، التجسّس، التجسّس الخطير، التآمر لمساعدة العدو ومساعدة العدو أثناء الحرب». من حيث المبدأ يمكن الحديث مطولاً عن حق مخول، كبقية الشعب الفلسطيني، في مقاومة دولة احتلال إحلالي أقيمت على أرضه الوطنية، ولكن مرد الاعتقاد ببطلان الادعاءات المقدمة ضد مخول هو موقع الرجل في المجتمع المدني الفلسطيني، ودوره المميز والفعال في الدفاع عن حقوق أساسية للفلسطينيين، منها حقهم في العودة، إن كان عودة الفلسطينيين اللاجئين خارج الأراضي المحتلة عام 48، أو داخلها ممن يسكن الكثير منهم على بعد أميال قليلة من قراها المدمرة. لذلك من الصعب تصور أن يرتضي قائد رزين، جدي وناجح، يدرك أهمية الدور الذي يقوم به، بوضع نجاحاته الوطنية في موقع الخطر. بل من المؤكد أن موقع مخول وفاعليته وصلابته ووجوده الدائم في موقع التصادم مع مؤسسات الاحتلال والقهر العنصري، تجعله يدرك أنه يقع تحت مجهر الأجهزة الأمنية، وتمنعه في الوقت ذاته من الاقتراب من أي موضع، أو مصدر معلومات، تشكل معرفتها مادة أمنية ذات أهمية. قضية مخول هي جزءٌ من قضية الشعب الفلسطيني في الإجمال، وقضية القابعين تحت نير الاحتلال الأول في قلب الثكنة العنصرية. هؤلاء الذين نالوا، ولا يزالون ينالون، نصيبهم من القهر الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، وبشروط خاصة منها: فصلهم بالعنف عن بقية شعبهم وأمتهم، ودوام التهديد بعودة الاحتلال لاستكمال التطهير العرقي بحقهم، واستمرار عملية تهويد الأراضي خلف ما يسمى «الخط الأخضر». هذه الشروط والمخاطر يعرفها مخول ورفاقه جيداً، وهم يركزون عملهم في النضال المدني لمواجهتها، ومواجهة الآثار السياسية للتسوية الجارية، التي أدت الى تشريع وجود الاحتلال في 80 في المئة من الأرض الفلسطينية، وأفضت للتغطية على مشاريعه وانتهاكاته لحقوق فلسطينيي الاحتلال الأول، بعدما عزلتهم، كما الفلسطينيين اللاجئين، وحرمتهم من حقهم في مشاركة بقية الشعب في تقرير مصيره، وأبعدت قضاياهم عن دائرة الاهتمام الدولي. لقد أنشأ مخول، مع عدد من زملائه اتحاد جمعيات أهلية عربية، «اتجاه»، وحددوا له مهمات عدة منها: «حماية المؤسسات والتشبيك والتنسيق والترويج لمؤسسات العمل الأهلي في الداخل، ولمجمل قطاع العمل الأهلي الفلسطيني... وإدارة حملات محلية ودولية لحماية الجمعيات العربية ولرفع الوعي حول أوضاع الفلسطينيين في الداخل عالمياً، باعتبارهم جزءاً من القضية الفلسطينية، ويسعى اتجاه إلى تقاسم الهم وتكامل الأدوار بين مؤسسات المجتمع المدني والأطر الحزبية والبلدية من أجل الحماية وتعزيز الوجود في الوطن»، وأيضاً «تركيز عمل «هيئة تنسيق العمل الأهلي الفلسطيني في الوطن والشتات» لرفع مستوى «التشبيك بين الشبكات الأهلية الفلسطينية». وفي سياق خدمة هذه الأهداف برز دور «اتجاه» في الكثير من المنابر العالمية والعربية كان من أهمها «المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية في ديربن عام 2001»، كما أسهم في تنظيم «مؤتمر التواصل العربي بين مؤسسات المجتمع المدني في القاهرة عام 2002»، حيث كان من الواضح أن المؤسسين يسعون للإسهام في تطوير المؤسسات المدنية الوطنية لتقوية المجتمع الفلسطيني في الداخل، وربطه ببقية الشعب الفلسطيني، والأمة العربية، والمجتمع الدولي، لغايات عدة منها رفع قدرة المجتمع الفلسطيني على مواجهة التحديات. وفعلاً نجح الاتحاد، حيثما استطاع العمل، في الكثير من مهامه تحديداً ما يختص بالتعريف بوضع قطاع من الشعب تخلت المؤسسات الرسمية الفلسطينية عنه، والتعريف بالعنصرية الصهيونية وفضح انتهاكاتها التي تطاول فلسطينيي الاحتلال الأول، ومخططاتها الموجهة ضدهم. كما كان للاتحاد ورئيسه، دور مهم في نجاح نماذج للتشبيك بين الفلسطينيين في كل مكان، على رغم قوانين مؤسسة الاحتلال التي وضعت لمنع التكافل والتضامن بين أبناء الشعب الواحد. وهو الدور الذي شكل تهديداً لهذه العنصرية وتصوراتها المستقبلية، وساهم في حملة رفع الشرعية عنها دولياً، ما دفع مؤسساتها لتصعيد الضغوط على المشاركين فيه بكل الوسائل، وكان آخرها اعتقال مخول نفسه. ولهذه الأسباب، وهذا الدور، من المفترض والضروري أن تكون قضية الدفاع عن مخول، وبقية قادة المجتمع الفلسطيني في الداخل الذين يتعرضون لهجمات شديدة، من اعتقال وترهيب، على سلّم أولويات الحالة السياسية الفلسطينية، الأمر الذي يستدعي فاعليات متعددة إن كان من خلال التعريف بقضيتهم بحملة إعلامية مركزة، والتظاهر حيث يمكن، وتوقيع العرائض ونشرها وتقديمها الى المؤسسات الدولية، والضغط على سفارات الدول الغربية، وصولاً لتشكيل لجنة قانونية تتابع قضاياهم، وتعرضها على الرأي العام والمؤسسات القضائية الدولية والمؤسسات الحقوقية، وتدعم عمل مركز «عدالة» (وهو مؤسسة قانونية معتبرة) الذي يعمل كل جهده في هذا الشأن. وبالطبع، إن الإصرار على برنامج «اتجاه» ودعمه، والمشاركة فيه، جزء من آليات مواجهة الاحتلال وخطواته القمعية الأخيرة. الخطير في التقاعس عن هذا الدور يتعدى الضرر الشخصي الذي سيلحق بالقادة الوطنيين، والفراغ الكبير الذي سيضعف مقاومة المؤسسات الوطنية في الداخل لإقصاء قادتها، ما يسهل على إسرائيل تفكيكها، إلى كونه سيؤدي الى خيبة كبيرة في أوساط الشعب، وازدياد الشعور بالعزلة القائمة فعلاً. وفي المحصلة، يفضي إلى تراجع منعة المجتمع هناك، واهتمامه بقضيته الوطنية. وقد حدث مثل هذا التقصير مرات عدة، منها حين اعتقل أمين عام حركة أبناء البلد محمد كناعنة، وسجن لسنوات باتهامات مشابهة لتلك الموجهة الى مخول. مع العلم أن الكثير من الكوادر والناشطين يتعرضون لموجات من الاعتقال، حين يقودون حركة الاحتجاج على جرائم الاحتلال في الضفة وغزة، أو حين يفعلون ذلك في مواجهة أجندة صهيونية موجهة ضدهم، أو حين يتظاهرون ضد زيارة مجرمي الحرب الصهاينة لبلداتهم، أو حين يسعون الى مد جسور التواصل والتشبيك مع بقية الشعب الفلسطيني والأمة العربية. * كاتب فلسطيني.