يختتم البابا بنديكتوس السادس عشر اليوم رحلة الحج إلى الأراضي المقدسة بإقامة قداس خاص في مقر البعثة البابوية في القدس وبزيارة كنيسة القيامة (كنيسة القبر المقدس) حيث يلقي كلمة خاصة، بعدما كرس يومه الرابع في الأراضي المقدسة لزيارة مدينة الناصرة في الجليل كبرى المدن الفلسطينية داخل إسرائيل، حيث دعا إلى «التعايش المشترك ونبذ الكراهية والأحكام المسبقة». وأقام البابا قداساً خاصاً في مدرج في «جبل القفزة» شيد في الهواء الطلق لكلمته خصوصاً، حضره أكثر من 40 ألف شخص من المسيحيين في إسرائيل والحجاج الأجانب ومن مسلمي المدينة وقادة محليين. ورفرفت أعلام مختلف الدول فوق رؤوس المصلين الذين لم يخفوا سعادتهم بالمشاركة في هذا الحدث التاريخي في المدينة التي عاش فيها السيد المسيح. وقداس أمس هو القداس الحبري الثالث والأخير الذي أقامه خلال رحلته، وكان الأكبر، إذ أن غالبية المسيحيين في الأراضي المقدسة تقطن في الجليل. وجرى القداس وسط إجراءات أمنية مشددة فرضتها الشرطة الإسرائيلية التي اشترطت على المشاركين الوصول إلى الموقع قبل أربع ساعات من الصلاة. ووصل الحبر الأعظم إلى الناصرة بمروحية عسكرية أقلته من القدس، ثم استقل السيارة البابوية المصفحة لعشرات الأمتار فقط متوجهاً إلى موقع القداس حيث استقبلته، عن بعد، حشود المصلين بهتافات «يحيا البابا». وأغلقت المدارس المسيحية في الشمال أبوابها أمس لتمكين آلاف الطلاب والمعلمين من المشاركة في القداس الاحتفالي في الناصرة. ورحب رئيس بلدية الناصرة رامز جرايسي في كلمة مسجلة بالضيف. وقال: «نرحب بحرارة بقداسته في حجيجه إلى الناصرة عاصمة الجليل، بلد البشارة والمسيح الناصري، بلد التعايش والسلام... المدينة التي يتجاور فيها التوأمان: الكنيسة والمسجد، اللذان يجسدان متانة النسيج الاجتماعي والعيش المشترك. المدينة التي تعتبر موقعاً هاماً للتراث العالمي والإنساني». ودعا مطران الجليل إلياس شقور في كلمته التي سبقت الصلاة، قداسة البابا إلى التدخل لدى السلطات الإسرائيلية لإعادة مهجَّري قريتي إقرث وبرعم إلى قريتيهما «أسوة بسائر المواطنين في إسرائيل». من جهته، دعا البابا في كلمته سكان مدينة الناصرة، من مسلميها ومسيحييها، إلى التعايش السلمي. وتطرق في شكل غير مباشر إلى التوتر الذي خيم على المدينة قبل عقد من الزمن على خلفية مشروع لبناء مسجد في الساحة المجاورة لكنيسة البشارة، ألغته الحكومة الإسرائيلية بضغط من الفاتيكان والولايات المتحدة. وقال: «للأسف، كما يعلم العالم، اختبرت الناصرة توترات في السنوات الأخيرة أضرت بالعلاقات بين الجماعتين المسلمة والمسيحية. وأدعو الأشخاص ذوي الإرادة الطيبة في كلا الجماعتين إلى تصحيح الضرر الذي حصل والعمل لبناء الجسور وإيجاد طرق لتعايش سلمي التزاماً بإيماننا المشترك بإله واحد». وتابع مناشداً: «فلينبذ كل واحد القدرة المدمرة للكراهية والأحكام المسبقة التي تقتل النفس البشرية قبل الجسد». وأعلن أنه سيبارك الحجر الأساس لمركز دولي من أجل العائلة سيبنى في الناصرة. وقال: «أرجو أن تلفت هذه المحطة من حجي انتباه الكنيسة كلها إلى مدينة الناصرة». ولاحقاً، زار البابا كنيسة البشارة المقامة في الموقع الذي بشر فيه الملاك جبرائيل السيدة العذراء بأنها ستلد السيد المسيح، بحسب العقيدة المسيحية، وأقام قداساً شارك فيه ثلاثة آلاف من المدعوين. ودعا البابا إلى «حماية الأطفال من التطرف». وقال في كنيسة المهد إن «المسيحيين ينضمون إلى اليهود والمسلمين والدروز وأفراد سائر الديانات في الرغبة في حماية الأطفال من التطرف والعنف، مع تهيئتهم ليكونوا بناة عالم أفضل». وأضاف أن «الجليل أرض معروفة بتنوعها الديني والإثني، إنها أرض شعب يعلم جيداً الجهود المطلوبة للعيش في تعايش متجانس... وتقاليد كل منا الدينية تتمتع بقدرة كبيرة على نشر ثقافة السلام». وأكد أن «السلام نفسه عطية من الله، رغم أنه لا يمكن بلوغه من دون جهود الانسان». وكانت الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح أعلنت أخيراً أنها لا ترحب بزيارة البابا طالما لم يعتذر عن كلمة ألقاها العام 2006 بدا فيها وكأنه يربط بين الإسلام والعنف. ووزع ناشطون إسلاميون في المدينة بيانات دعت إلى مقاطعة زيارة البابا، ما دفع بالاستخبارات الإسرائيلية إلى منع تجوال البابا بسيارته الخاصة في الشارع الرئيس في المدينة المسمى على اسم البابا السابق يوحنا بولس السادس الذي زارها العام 1964. وفي المساء، التقى البابا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في الناصرة، بعدما رفضت إسرائيل طلباً من الفاتيكان لإصدار تأشيرات لكهنة من الدول العربية يرغبون في دخول الأراضي المقدسة. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول إسرائيلي أن وزير الداخلية ايلي يشائي رفض منح تأشيرات للدخول المتعدد لنحو 500 كاهن من مختلف الدول العربية رغم طلب الحبر الأعظم. وقد يتسبب القرار في تعكير أجواء رحلة البابا. وقال الناطق باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي للصحافيين في الناصرة أمس إن التنقل الحر للمسيحيين «هو بوضوح إحدى نقاط البحث الطويل الذي يجريه الفاتيكان وإسرائيل داخل اللجنة الثنائية».