الخريّف: إطلاق التجمع الصناعي للألبان في الخرج سيوفر بيئة إنتاجية متكاملة ومستدامة    القبض على (5) باكستانيين في الرياض لترويجهم (74) كلجم من مادة (الشبو) المخدر    بلدية محافظة الرس تُواصل تطوير البنية التحتية        كشمير: تعزيزات أمنية واسعة ومطاردة منفذي هجوم بيساران    الربيعة: المملكة منارة للعمل الإنساني والفرق الميدانية السعودية طافت أصقاع العالم    القادسية يتعادل إيجابياً مع الخليج في دوري روشن للمحترفين    نائب أمير الرياض يعزي في وفاة سعد البواردي    "واعي جازان" يحتفي بروّاد العطاء ويُكرّم شركاء النجاح    أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    أمير تبوك يهنئ نيوم بمناسبة صعوده لدوري روشن للمحترفين    بعد أن يرحل الحريد.. ماذا تبقى من المهرجان؟ وماذا ينتظر فرسان؟    أمير الرياض يدشّن مشروعات تنموية في الخرج بتكلفة 47 مليون ريال    فيصل بن سلمان يزور عائلة الرويشد    المملكة رئيسا لإقليم آسيا بمنظمة الأرصاد الجوية    معرض للتوعية بالأمن السيبراني    افتتاح جناح مدينة الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    الرئاسة الدينية تحذر من المقاطع المفبركة لأئمة الحرمين    منصة لحماية الأوقاف وتعزيز شفافيتها    "النجيمي"عضو فريق توثيق تاريخ كرة القدم السعودية: كافة مكتسبات الكرة السعودية والأندية محفوظة وفق معايير التصنيف    «النقد الدولي» يحذر من تجاوز الدين العام العالمي لمستويات «كورونا»    افتتاح مكتب النيابة في مطار الدمام    رئيس مجلس الشورى يعقد جلسة مباحثات رسمية مع رئيس مجلس الشورى القطري    محافظ الطائف يستقبل مدير عام هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة    أمير تبوك يستقبل الفائزين في معرض جنيف الدولي للاختراعات    الدوري الإسباني يحقق أعلى أرباح له على الإطلاق الموسم الماضي    محافظ الطائف يكرم الجهات المشاركة في فرضية الدفاع المدني    ملك الأردن يغادر جدة    أمير تبوك يهنئ نادي نيوم بمناسبة صعوده لدوري روشن للمحترفين    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن يفتتح أعمال ومعرض المؤتمر ال17 لمستجدات الأطفال    وكيل محافظة بيش يدشن أسبوع البيئة    حظر جماعة الإخوان في الأردن    الأمير محمد بن ناصر يرعى انطلاق ملتقى "المواطَنة الواعية" بتعليم جازان    أمير الحدود الشمالية‬⁩ يدشّن مشروعات صحية بأكثر من 322 مليون ريال    فعاليات ثقافية بمكتبة الملك عبدالعزيز لليوم العالمي للكتاب    Saudi Signage & Labelling Expo يعود إلى الرياض لدعم الابتكار في سوق اللافتات في المملكة العربية السعودية البالغة قيمته 492 مليون دولار    الداخلية: 50,000 ريال غرامة بحق كل مستقدم يتأخر عن الإبلاغ عن مغادرة من استقدمهم في الوقت المحدد لانتهاء تأشيرة الدخول    بيان مشترك في ختام زيارة رئيس وزراء جمهورية الهند للسعودية    ترند اليوم لا تتذكره غدا في هيئة الصحفيين بمكة    تحاول فرض "الموازية" بقوة السلاح.. الدعم السريع تواصل قصف المدنيين في الفاشر    إطلاق أكثر من 30 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد الملكية    إعلاميون ل"البلاد": خبرة الهلال سلاحه الأول في نخبة آسيا    اقترب من مزاحمة هدافي روشن.. بنزيما.. رقم قياسي تاريخي مع الاتحاد    سفراء الوطن يحصدون الجوائز العالمية    مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم    الخليج والقادسية في ديربي شرقاوي.. والرياض يواجه الفتح    استمرار تحمل الدولة رسم تأشيرة عمالة مشروع «الهدي».. مجلس الوزراء: إنشاء غرفة عمليات لاستقبال ومعالجة بلاغات الاحتيال المالي    105 تراخيص جديدة .. ارتفاع الاستثمارات والوظائف الصناعية في السعودية    مصر ولبنان يطالبان بتطبيق القرار 1701 دون انتقائية    أمير المدينة المنورة يطلع على جهود "الأمر بالمعروف"    دول آسيوية تدرس مضاعفة مشتريات الطاقة الأميركية لتعويض اختلال الميزان التجاري    معرّفات ظلامية    مؤتمر القصيم لطب الطوارئ يختتم أعماله    دليل الرعاية الصحية المنزلية.. خارطة طريق لكفاءة الخدمات    نائب أمير الرياض يُشرف حفل السفارة الأمريكية بمناسبة ذكرى اليوم الوطني    ما الأقوى: الشريعة أم القانون    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    









باليه «بياض الثلج» في مهرجان بيت الدين: دراماتوجيا الجسد والحب

تمازج ضباب جبلي كثيف مع ضوء قمر باهت، اتكأ على كتف جبل شوفي كثيف الأشجار. حمل الهواء الساكن برداً. وبدت بلدة «بيت الدين» وكأنها تشارك في تجهيز المسرح. وبضربة رعد مفاجئة مع صوت مطر ورياح، اهتّزت لها بعض أجساد الجمهور، ابتدأ عرض بالية معاصر يروي إحدى قصص السحر الأكثر شهرة، هي «بياض الثلج». وهجر الباليه ورقصاته النسق المعروف لهذه القصة الفائضة بالسحر، ليقدّم رؤية معاصرة ترتكز الى تحليل نفسي معمّق. ففي الشكل التقليدي، تروي القصة صراعاً بين زوجة الأب الشريرة والساحرة، مع البنت الكاعب «بياض الثلج» التي يغيظ جمالها المتفتح تدريجاً المرأة التي تفترض في نفسها أنها مركز الأنوثة والفتنة والسحر. في عين التحليل النفسي، هناك بُعد جنسي قوي في قصة الأطفال «بياض الثلج». هناك الصراع بين امرأتين على امتلاك الجسد الأجمل والأشهى والأشد أسراً للذكور. حتى في شكلها التقليدي «الطفولي»، ينتهي الصراع بمشهد جنسي (قبلة الحبيب التي تنتشل «بياض الثلج» من غيبوبة السحر)، يليه مشهد أكثر إضماراً للجنس هو الزواج الذي يكرس أن الطفلة الكاعب أضحت أنثى تتملك ذكراً.
وفي عين التحليل النفسي، يمكن اختصار قصة «بياض الثلج» إلى تملّك المراهقة لمسار بلوغها وأنوثتها، في صراع مع أنثى منافسة ممتلئة شراً وغيظاً من الأنثى- المنافسة، التي تريد إزاحتها عن عرش الأنوثة ومضمراتها ومكوّناتها. واستطراداً، فمن بداهات مدرسة التحليل النفسي تناول المضمر جنسياً في العلاقة بين الأب والابنة، ويُشار إليها ب «عقدة إلكترا»، التي تشابه وتعاكس العلاقة المضمرة بين الابن والأم المعروفة ب «عقدة أوديب». وفي كلا العلاقتين، هناك أيضاً علاقة الفرد مع السلطة أيضاً، إذ يتصادم الابن مع الأب كرمز للسلطة، وكذا تفعل البنت، وإن بصورة أشد رهافة وخفاء. وتُكثّف المسرحية الإغريقية «أوديب ملكاً» لسوفوكليس (ترجمها الى العربية طه حسين) هذه الأمور، في بعديها الجنسي والسلطوي.
وفي مهرجان «بيت الدين»، لم يتأخر المخرج الفرنسي أنجلين برليوستش (من أصول ألبانية) في نظم رؤيته عن «بياض الثلج»، سيراً على نسق التحليل النفسي لها، خصوصاً لجهة صراعي الجنس والسلطة، مع تركيز أكبر على الجنس. إذ تفتح الباليه على ولادة «بياض الثلج» وموت أمها في القصر والتقاط أبيها للمولودة، في مشهد يذكّر بولادة أوديب ورميه في الصحراء والتقاطه من حاشية تحمله الى القصر.
وفي دورتي رقص سريعتين، نصل الى «بياض الثلج» الشابة اليافعة، بجسد يفيض أنوثة. ثم تجلس على العرش (= السلطة) إلى جانب أبيها، في إزاحة رمزية واضحة لموقع الزوجة، ولكنها تخالس اللمسات بيديها شاباً وسيماً. وفي ظل رقص بهيج، يهدي الشاب وشاحاً أحمر، للحبيبة. ولا يكتمل اللقاء الإنساني.
وتظهر زوجة الأب (وهو سيد القصر أيضاً)، فتمزج الحضور القمعي للسلطة، مع الصراع على الأنوثة والجسد. وترافق قطط تلك المرأة التي تمارس سحراً شريراً، مع كل ما تحمله القطط من دلالات جنسانية، ومع ظهور السحر بوصفه تمازجاً للشر في الكون والفساد في الإنسان. هناك نوعان من الجنس يتصارعان: أحدهما يحمل الإنسان على التكامل مع ذاته وكينونته ووجوده ويتمازج مع الحب؛ والآخر جنس ممزوج بشهوة التسلّط والقتل، ما يجعله نقيضاً للحب الإنساني.
وبعروض أدتها أجساد 26 راقصاً وراقصة، جاء بالية «بياض الثلج» في نسق من الرقص المعاصر، مع شيء من الكلاسيكية (الأصح أنها تمثّل الطريقة الرومانسية) في الأداء. وهكذا، تنوّعت الملابس الى حدّ الفردية، حتى عندما تتقلص الأردية ويُحمل الرقص على الجرأة في أداء الأجساد. واستطراداً، فلربما يصعب على كثير من الدول العربية استضافة هذه الجرأة القوية في الرقص، والتي لا تعتبر غريبة عن مخرج فرنسي تتلمذ في نيويورك على يد أستاذين في الرقص المعاصر هما ميرس كوننغهام وزينا رومييه.
وتألّقت براعة الكوريوغرافيا في تقديم مشهد حوار الزوجة- الشريرة مع مرآتها. إذ تلاعب المخرج على الظلام والإضاءة الباهتة، مع استخدام إطار فارغ، كي يقدم صورة المرآة ومشاهدها.
تألق الكوريوغرافيا وإرباكها
بعد تمهيد رسم إطار صراع الجنس والسلطة على الجسد الأنثوي وتفتحاته وحبه الإنساني. فتلاقي «بياض الثلج» حبيبها في حب معلن على الجماعة، يدخل بالفتاة الى علاقات الشباب أيضاً. ويصبح لقاء الأجساد تعبيراً قوياً عن العواطف الإنسانية الراقية والدافئة. وتحتضن الطبيعة تلك اللقاءات المشغوفة بالحرية والتطلّق من القيود والتحرر من السلطات. وأظهر الباليه شفافية التلاقي الإنساني، في رقص جريء ومتمكن في استعمال الأجساد لغة للرواية المسرحية، فلا يعود عريها إثارة ولا استثارة، بل حديثاً مسرحياً ينوب عن الكلام. إنه رقص يروي ويرتقي.
بعد مشاهد الحب في الطبيعة، تسير دراماتوجيا «بياض الثلج» لتلاقي الأحداث المعروفة في القصة التقليدية. ويبدو النصف الثاني من باليه فرقة برليوستش (على اسم المخرج)، وكأنه يلاقي الصيغة الشائعة التي صاغها الإخوة غرايم عن مرويات شفاهية ألمانية في عام 1912، والتي حوّلتها هوليوود الى شريط سينما للمخرج والت ديزني في 1937. لكن السياق الذي أرساه النصف الأول، بمشاهد مبتكرة للمخرج برليوستش تعطي للأحداث سياقاً ودلالة مغايرين.
إذ ترسل الساحرة الشريرة صيادين، في ملابس تذكر بالعسكر والميليشيات، كي يقتلوا الصبية. وتحمي الطبيعة، في ترسيمة مألوفة في الثقافة الرومانسية، الصبية وحبها وجسدها. ويخيب حاملي أسلحة السلطة في قتل الحب والأنثى.
وهكذا، فتح برليوستش مشهداً معروفاً في القصة التقليدية (الصياد الذي تطلب منه الشريرة قتل الصبية)، على سياق مغاير يحمل صراع الفرد من أجل امتلاكه جسده وعواطفه وحريته. وعلى غراره، يأتي مشهد لقاء الفتاة مع الرجال السبعة الذين يعملون في المناجم. لم يعد يهم إن كانوا أقزاماً أم لا، بل باتوا أقرب الى مشهد الناس العاديين والعاملين بكد، بعيداً من السلطة وسطواتها.
وتلاحق السلطة- الشريرة، بنفسها هذه المرّة، الفتاة التي باتت محتضنة من الشعب. وتنجح في إدخال السمّ إلى جسدها. ويجري ذلك في مشهد رقص تفيض الكوريوغرافيا فيه بقوة التجاذب والصراع، إلى حد أن تلقي السمّ جاء أقرب الى معنى الإخضاع.
إنه تقاطع هائل بين قوة الكوريوغرافيا الواسعة الخيال والتدبير، وبين دراماتوجيا المسرحية، في اللحظة الأشد تمثيلاً لمعنى الصراع على الجنس والحرية. ويأتي الحبيب. ويأتي لقاء الأجساد وقبلاته، ليحارب يأس الغيبوبة التي حملتها تفاحة حمراء مسمومة. وتنهض الحبيبة من غيبوبتها. ينجح الحب والجنس في رد تغريب الجسد عن حريته واستلاب السلطة لإنسانية البشر.
وعلى رغم تلك القوة، بدا خيط السلطة وكأنه أفلت من يد المخرج، قبيل ختام المسرحية، على رغم استمراره في إمساك خيط الجنس. وحتى مشهد قتل الزوجة الشريرة، جاء قريباً من مشاهد إحراق الساحرات (التي تذكر بمحاكم التفتيش وقمعها)، ما أوقع مشهد الختام في بعض الإرباك، على رغم قوة الأداء رقصاً وجسداً، وكذلك على رغم التألّق في اختتام الشق الجنسي من الصراع الضخم الذي رواه الرقص في باليه «بياض الثلج».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.