بعد تفكير متأنٍ ارتأيت أن أجرؤ على إعلان اختلافي مع الدكتور صالح بن بكر الطيار في ما يتعلق بنهاية التاريخ على طريقة فرانسيس فوكوياما، فرئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي الدكتور صالح بن بكر الطيار بدا في كتابه الأخير «المملكة العربية السعودية ومحاربة الإرهاب... المواجهة والمناصحة»، متحمساً للنتائج التي خلص إليها «فوكوياما» في مؤلفه الشهير جداً «نهاية التاريخ وخاتم البشر»، الذي أعلن فيه أن البشرية قد بلغت سقف تطورها الاقتصادي والمجتمعي في نهاية القرن ال18 مع ظهور «الديموقراطية الليبرالية»، وأن العالم بأسره منذ ذلك الحين يمضي في مسيرته الحتمية لبلوغ هذه النهاية «السعيدة»! لكن الطيار ينظر ويرى بعين من هو «ملكي أكثر من الملك نفسه»، فيعلن أن ما يحلم به فوكوياما قد تحقق بالفعل، إذ نقرأ في كتاب «المملكة العربية السعودية ومحاربة الإرهاب»، الصفحة 38: «وقد تحققت هذه النهاية بالفعل وصارت الحضارتان الأميركية والغربية هما آخر ما يمكن للبشرية الوصول إليه، فقد انهارت الشيوعية ومن قبلها الفاشية، وتتطلع جميع شعوب العالم ودوله إلى تحقيق النموذج الغربي «الديموقراطية الليبرالية»، وصار هذا النموذج التطلع السياسي الوحيد المتماسك الذي يربط مناطق وثقافات مختلفة في جميع أنحاء الكرة الأرضية». ولعل القضية - والكلام هنا لشخصي المتواضع - نوع من الانشغال – نتيجة ضيق وقت الدكتور الطيار - عن الأخبار التي ازدحمت بها وسائل الإعلام العالمية في ما يتعلق بالأزمة العالمية الاقتصادية الأخيرة، فقد ارتعدت فرائص الدول الغربية في مواجهة هذه الأزمة، وأدرك مفكروها أن هناك خللاً خطراً في بنية النظام الاقتصادي والمؤسسي الغربي دفعهم للبحث الجدي عن حلول تستطيع إنقاذه ولو إلى حين... من جهة أخرى لا تزال الكثير من الدول الإسلامية تسعى جاهدة لتأسيس نظام اقتصادي خاص بها تدير به مؤسساتها ومجتمعاتها، نظام يتوافق مع ثقافاتها وخصوصياتها ويجنبها مخاطر الانهيار الاقتصادي. أما الدكتور الطيار فيقف ليعلن – وأظنه الوحيد الذي فعل ذلك – تحقق نبوءات فوكوياما المشبعة بالغرور والتعالي، وتبلغ منه الحماسة حداً تغيب معه وقائع لا يمكن تجاهلها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن الصين، التي يتوقع الخبراء الغربيون أن يبلغ اقتصادها بعد عقود قليلة فقط مستوى الولاياتالمتحدة الأميركية، على رغم انفتاحها على الأسواق الرأسمالية، لا تزال ترفع العلم القديم فوق ساحاتها ومؤسساتها.