الأميركي الأمني الذي سعت إسرائيل إلى إظهاره بشكل كبير، سواء في المناورة الأميركية- الإسرائيلية الصاروخية المشتركة ومحاكاتها سقوط آلاف الصواريخ من إيران ولبنان على بلدات إسرائيلية، وكذلك على قوات أميركية في المنطقة، أو عبر التجربة المشتركة بين إسرائيل وأميركا لمنظومات الدفاع الصاروخي، أرادت تل أبيب من ورائه أن تقول إن شيئا لم ولن يزعزع العلاقة الأمنية بين البلدين، وأن الولاياتالمتحدة ماضية في دعم بعيد الحدود لسد حاجات إسرائيل. وليس هذا فحسب، فتزامن الترويج الإسرائيلي لهذين النشاطين الحربيين المشتركين في اليوم ذاته الذي رد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على الموقف الأميركي الرافض مشاريع البناء الاستيطاني في الضفة وشرق القدس، لم يأت بالصدفة، بل جاء ليقول إن إسرائيل أيضاً قادرة على وضع قواعد اللعب وإنها ماضية في مشاريعها الاستيطانية، بل لديها ما تقوله حتى للحلفاء الأميركيين وإن ظهرت أجواء من الأزمة السياسية بين الطرفين. الترويج للعلاقات الأمنية المشتركة تزامن مع إطلاق نتانياهو، من مكان زيارته في رواندا، موقفاً علنياً رافضاً الموقف الأميركي ومؤكداً أن لا مساومة على تعزيز الاستيطان في الضفة وأن إسرائيل ليست المعرقل لعملية السلام، بل راح يبرر صدقية مشاريع الاستيطان الجديدة التي جاءت رداً على العمليات التي نفذها فلسطينيون أخيراً وأدت إلى مقتل وإصابة إسرائيليين. فقال: «نحن نعرف الموقف الأميركي، وهو ليس جديداً وليس مقبولاً. البناء في القدس وفي معاليه أدوميم، ليس السبب في فشل السلام. سبب الفشل هو التحريض المتواصل ضد وجود دولة إسرائيل، وقد حان الوقت لتعترف دول العالم كلها بهذه الحقيقة البسيطة». وهناك حقيقة ثانية، يقول نتانياهو، هي أن «الطريق إلى حل الصراعات يتم بالمفاوضات، ومن جهتنا فنحن على استعداد لمفاوضات مباشرة من دون شروط مع جيراننا، أما هم فغير مستعدين لمفاوضتنا، وهذا ما يمنع السلام، وليس مجموعة بيوت أخرى قرب معاليه أدوميم، أو أحياء عدة في القدس». بالنسبة إلى نتانياهو مشاريع الاستيطان هي مجرد بيوت عدة قرب مستوطنة معاليه أدوميم أو في أحياء القدسالشرقية، هكذا بكل بساطة يتحدث عن مشاريعه الاستيطانية التي يعتبرها المجتمع الدولي عراقيل أمام عملية السلام، ويخرج في حملة داعمة لثلة من المستوطنين العنصريين في نشر المزيد من البؤر الاستيطانية. وفي اليوم الذي احتدم نقاش السياسيين والحزبيين الإسرائيليين حول مشاريع الاستيطان التي أعلنها نتانياهو رداً على العمليات، وموقفه الرافض الإدانة الأميركية، اختارت إسرائيل الكشف عن تدريبات أميركية- إسرائيلية كانت أجريت قبل حوالى شهر. انطلقت التدريبات في السابع عشر من الشهر الماضي واستمرت لمدة خمسة أيام، شارك فيها عشرات الخبراء من إسرائيل والولاياتالمتحدة وركزت بالأساس على فحص مدى التنسيق والارتباط بين المنظومات الأميركية- الإسرائيلية المضادة للصواريخ. بعد حوالى الشهر تقريباً، جاء النشر، وفيه معلومات تقول إن المناورة حملت اسم «كيشوريت»، أي حلقة الوصل، وهي الأولى من نوعها. ووفق بيان لوزارة الدفاع، فإن الأميركيين والإسرائيليين المشاركين في التدريبات شددوا على الاتصال والتشبيك بين المنظومات الإسرائيلية وأجهزة الرادارات الأميركية. في اليوم ذاته أيضاً، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية معلومات واسعة عن تجربة مشتركة للهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تطوير المنظومات الدفاعية المختلفة لاعتراض الصواريخ، في وزارة الدفاع، والمعروفة باسم «حوما» والوكالة الأميركية للدفاع الصاروخي (MDA)، حول اختبار التواصل الفيزيائي بين منظومات الدفاع الإسرائيلية ومنظومات الدفاع الأميركية في الولاياتالمتحدة وفي أماكن أخرى في العالم، في حال وقوع هجوم يشمل المئات، بل الآلاف من الصواريخ التي ستطلق تجاه إسرائيل خلال وقت قصير، وبالتزامن تجاه القوات والمرافق العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. التجربة أجريت في مراكز التطوير الإسرائيلية، وفي منظومات أميركية عدة منتشرة في مراكز تطوير في الولاياتالمتحدة، وشاركت فيها عشرات الطواقم الإسرائيلية في إسرائيل والولاياتالمتحدة. وحرصت إسرائيل على إظهار أن التجارب بين الطرفين مستمرة وهناك تجارب عدة متوقعة حتى نهاية السنة. ونُقل عن مسؤول أمني أن المنظومات والتجربة التي منحتهما الولاياتالمتحدة لإسرائيل، خلال هذه التدريبات، تمنح الحلول للتهديدات التي تواجه منظومة الدفاع الإسرائيلية وكيفية التعامل معها، حيث تم التركيز في هذه التجربة على الدفاع في وجه الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى، وتحديداً الصواريخ الدقيقة منها، التي تشير التقديرات إلى أن «حزب الله» يمتلك كميات كبيرة منها في مخازنه. وهي التي، وفق السيناريوات الإسرائيلية، سيكون من الصعب مواجهتها بالذات في الجبهة الداخلية، حيث متوقع سقوط 1500 صاروخ كل يوم باتجاه إسرائيل». مشاريع استيطانية وموازنات للمستوطنين في مقابل هذا التنسيق الأمني الكبير، ضربت إسرائيل ورئيس حكومتها بعرض الحائط الانتقاد الأميركي لمشروع بناء 800 وحدة سكنية، إذ قال نتانياهو: «ليس جديداً علينا وليس مقبولاً علينا الموقف الأميركي». هكذا حسمت إسرائيل موقفها تجاه واشنطن غير مبالية بتعميق الأزمة الديبلوماسية، بل رافق هذا الرد الإعلان عن زيادة موازنة حراسة المستوطنين في القدسالشرقية بمبلغ 41.5 مليون شيكل. هذه الزيادة غير المبررة جاءت مع أنه سبق وتمت زيادة هذه الموازنة في 2014 إلى 101 مليون شيكل، بذريعة التصعيد الأمني الذي شهدته القدس، وهي زيادة كان يفترض أن تكون لمرة واحدة. ولكن، منذ ذلك الوقت، تجري الزيادة سنوياً، إذ وصلت في 2015 إلى 94 مليون شيكل، وفي 2016 ومع الزيادة الجديدة ستصل إلى 94.5 مليون شيكل. ووفق معطيات وزارة المالية، تصل موازنة حراسة كل مستوطن يهودي في القدسالشرقية إلى أكثر من 30 ألف شيكل. إلى جانب هذه الموازنات التي تشكل عبئاً مالياً وتقتضم من أموال الجمهور وعلى حساب الخدمات الاجتماعية والرفاه، تنطلق الحكومة الإسرائيلية بمشاريع الاستيطان في الضفة والقدس. وبذريعة العمليات التي نفذها فلسطينيون سيتم بناء 800 وحدة سكنيّة استيطانيّة في مستوطنة معاليه أدوميم ومدينة القدس، وتتعالى الأصوات إلى الرد على كل عملية بمشروع استيطاني جديد. وحتى هذا لا يكفي قادة اليمين من حزب الليكود ووزراء في حكومة نتانياهو، إذ يطالب الوزيران زئيف ألكين ويسرائيل كاتس ورئيس لجنة الخارجية والأمن آفي ديختر بفرض القانون الإسرائيلي على «القدس الكبرى»، وفق ما يطلق عليها الإسرائيليون. ويقصدون في ذلك المستوطنات الكبرى وهي «معاليه أدوميم» و «جبعات زئيف» و «بيتار عيليت» و «غوش عتسيون» واستئناف البناء، بشكل مكثف، في الأحياء اليهودية لمدينة القدس. كما دعا الوزير كاتس إلى الغاء قرارات تجميد البناء في مستوطنات الضفة الغربية والبناء وفق الحاجة. عندما كان في أفريقيا، حظي نتانياهو بدعم وزرائه في مواجهة الانتقاد الأميركي والدولي، فأعلن الوزير ألكين أن إسرائيل ترفض مبادرة السلام العربية ومبادرة السلام الفرنسية ما دامتا تتحدثان عن الانسحاب إلى حدود 67 ومن القدس ولا نرى فيها أساساً لمحادثات سلام.. وقام ألكين ومعه الوزيران كاتس وأوري أرئيل بزيارة خيمة الاعتصام التي أقامها المستوطنون الذين يفترض خروجهم من بؤرة عمونا حتى شهر كانون الأول المقبل، بحسب قرار المحكمة، وأوضح ألكين من هناك، أن حكومة اليمين برئاسة نتانياهو «لا تستطيع إخلاء مستوطنين من أرض إسرائيل. ويجب استغلال كل ثغرة في القانون لمنع ذلك». أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية من سياسة الرد على العمليات ذريعة لتعزيز الاستيطان، هو أمر لا يندرج فقط في العقاب الجماعي للفلسطينيين وعائلات منفذي العمليات وأقاربهم بل إنه عقاب للمجتمع الدولي على موقفه الرافض الاستيطان والداعي إلى السلام. وتحت سوط التهديد بالرد على العمليات وخلق مكونات جديدة لتعزيز الاحتلال واستيطانه، تواصل إسرائيل فرض واقع على الأرض يمنع ليس فقط حلاً لإقامة دولة فلسطينية، بل يحول دون التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية، ويجعل القدسالشرقية مدينة مقسمة إلى أحياء لا يبقى للفلسطينيين منها سوى القليل مما يحلمون فيه لعاصمة دولتهم العتيدة. وهي تنطلق في ذلك من الشعور بالقوة العسكرية الهائلة التي توفرها لها الولاياتالمتحدة.