حينما تتشبث الذاكرة بموروثات قديمة، طابعها البسيط يضفي عليها جمالاً وبعداً اجتماعياً نبيلاً، يأبى الإنسان اندثارها أحياناً، عاقداً العزم على إحيائها، ومشاركة الآخرين بهجة متوارثة من الآباء والأجداد، خصوصاً أنها كانت مشرقة في وقت مضى وأصبحت لا تقل بهاءً وإشراقاً في العصر الحاضر، الذي يتسم بإيقاعه السريع وتكنولوجيته التي سرقت كل ما هو عادة قديمة تزيد من قيمة الترابط والتآلف المجتمعي. أهزوجة «عطونا العيدية عادت عليكم في حال زينة، جعل الفقر ما يجيكم» كان للأطفال الطيبين موعد معها كل عيد يهتفون بها في جماعات، وهم يطرقون أبواب البيوت المجاورة، طلباً للعيدية التي عادة ما تكون حلوى، ثم يذهبون إلى منزل آخر وهكذا مكررين الأهزوجة ذاتها، مغتبطين لما يجنون من هدايا أو بعض الحلوى. حي الغدير في الرياض جدد هذه العادة منذ سبعة أعوام، فيما لحقه حي الياسمين في تنظيمها متماً عامه الرابع هذا العيد، وكانت البداية بجهد فردي تبنته سيدة تدعى نجلاء المنقور، إذ قادت مجموعة أطفال وهم يتنقلون من بيت إلى بيت ضمن المشاركين لهم في الحي، ثم تطورت خطوة بخطوة بتشجيع من الأهالي إلى أن ظهرت في عيد هذا العام بخطة منظمة، وبجهد دؤوب تطوعي وقفت خلفها 3 نساء جميعهن من سكان الحي. تقول نجلاء المنقور التي تمارس تصميم الديكور إن فكرة إحياء موروث جميل تسهم في نشر الفرح والبهجة في نفوس الأطفال وذويهم، وحوامة العيد للأطفال هي عادة جميلة تساعد في ممارسة الترفيه البريء في أجواء حميمية مع أهاليهم. وأشارت إلى أنهم بدأوا العمل على تطبيق فعالية الحوامة في الأسبوع الأول من رمضان، إذ تم تسجيل الأطفال الراغبين في الانضمام الكترونياً، لافتة إلى أن عددهم بلغ 300 طفل بمشاركة ودعم 20 عائلة من المنازل المجاورة، إضافة إلى شركات مساعدة وأفراد متطوعين. وأوضحت المنقور أن الفعالية التي نفذت ليلة ال 29 من رمضان بناء على طلب سكان الحي الذين قد لا يوجدون في منازلهم يوم العيد، اشتملت على فقرة الحكواتي وأبو طبيلة، والحنطور، فضلاً عن مأكولات خفيفة وهدايا ومظاهر مليئة بالبهجة والفرح، مؤكدة مواجهتهم لصعوبات أثناء التنظيم تجلى أبرزها في العمل تحت أشعة الشمس، وتجهيز الاستعدادات والمستلزمات من المنزل الذي أصبح ورشة عمل لا تهدأ، مستغلين جميع الخامات الفائضة عن الحاجة، من أوراق وعلب وإكسسوارات وأدوات، وتسخيرها كمكون لهذه الفعالية، التي تفاعل معها كثيرون حتى إن أحياء أخرى طلبت الانضمام إليهم. وعن تطويرها في الأعوام المقبلة، كشفت أن لديها النية في توسيع نطاق عادة الحوامة التي تعد مسؤولية مضاعفة، خصوصاً أنها تتطلب دعماً مادياً، مشيرة إلى رغبتها مع زميلتيها في فريق العمل، وهما نجلاء العيسى ورشا البرخيل، في إقامتها مرة أخرى في عيد الأضحى المقبل، مبدية سعادة بتفاعل الأهالي، لاسيما كبيرات السن اللاتي أدخلن البهجة في نفوسهن، وكذلك في نفوس الأطفال، آمله بتطبيقها في جميع الأحياء.