كتب الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه يقول «إن الكذبة شرط الحياة» طالما وجدت الحياة واستمرت، وعلى رغم عدم نبل هذا الشرط، إلا أن الكذب، سواء كان عادة عابرة أو متأصلة، بات يتشكل بشكلنا ويتطور بتطورنا، وبأي حال من الأحوال فإننا لم نولد كذابين بطبعنا ولكننا «لوح أبيض» بحسب الفرضية التي تبناها المفكر التنويري الإنكليزي جون لوك والقائلة: «إن الفرد يولد من دون محتوى عقلي جاهز، وأن المعرفة تأتي من التجربة والإدراك، وبما أن الكذب معرفة حتى وإن كانت منبوذة تخط على صفحة العقل البيضاء مع التطور الإدراكي للشخص، إذن نحن نولد صادقين كما نولد خالين من الآثام والأخطاء والخطايا». إن الكذب بشتى أنواعه راجع الى عدم الثقة واحترام النفس وهذا له تأثير سلبي على مجتمعنا، فهو العامل الرئيس في تأخر بلاد المسلمين، حتى أننا نقلنا هذه الصفة السيئة إلى أطفالنا الذين باتوا يلجأون للكذب الدفاعي خوفاً «من العقاب الجسدي»، وفي حملة فريدة من نوعها دعا لها المتحررون بالجامعات والمعاهد الدراسية ببعض الدول العربية أطلقوا عليها اسم «برنامج حملة بلاش كذب وحقد ونفاق»، التي أخذت صدى كبيراً بين الطلبة وذلك لغرابة هذه الجملة وما دعت له، فقد كانت تطلب من المتضامنين لهذه الجملة ومن المؤيدين لها تعليق لافتة كتب عليها «يداً بيد لوقف الكذب والنفاق ولنباشر بأنفسنا». ولا يخفى على الجميع بأن ظاهرة الإخلال بالمواعيد هي الصفة الأكثر توليداً للكذب الاجتماعي لدى الشرقيين، والسؤال: هل احترام المواعيد أصبح حصرياً للغرب؟ طبعاً، لا بإمكاننا نحن كعرب ومسلمين احترام المواعيد والإحساس بالوقت لأن للوقت ثمناً وفي جميع المجالات إليكم بعض العبارات التي نسمعها في حياتنا اليومية: بسيطة كلها عشر دقائق...، ما طارت الدنيا...، زحمة السير هي السبب في تأخري...، آخر لحظة بينما هممت بالخروج تلقيت مكالمة هي السبب في تأخري...، طفلي الصغير هو السبب...، راحت عليّ نومة... الخ. عبارات يتخذها بعض الأشخاص أعذاراً لتبرير سبب تأخرهم عن المواعيد للقاء أشخاص في اجتماع أو زيارة أو سفر وغير ذلك... ترى هل هؤلاء الأشخاص يتأخرون هذه الدقائق، التي تصل أحياناً الى أكثر من 30 دقيقة، لو كانوا على موعد إقلاع طائرة للسفر، أو موعد مع طبيب؟! لا أظن ذلك يحدث، كلما كانت المواعيد مهمة للشخص حافظ على دقتها أكثر. إن التهاون بالمواعيد يتنافى مع أخلاقياتنا الإسلامية، فمن الآداب التي تؤثر في المجتمع: «الوفاء بالمواعيد وعدم التخلف عنها إلا لعذر قاهر جداً»، على أن يقدم صاحب العذر اعتذاره على الفور عن طريق الهاتف المحمول، الذي نستعمله معظم الأحيان بكثرة ومن دون فائدة سواء كان متأخراً، أو حتى تغيب نهائياً»، ما يولد عدم الثقة بما يحدد من مواعيد، تعطل إنجاز العمل أو التأخر في إنجازه وفي ذلك خسارة كبيرة للجهود وتضييع الأعمال، والتي يترتب عليها خسارات مادية واعتبارات شخصية وخلل اجتماعي غير محدود السلبيات. [email protected]