في وقت يشدّ كبار الموظفين ورجال الأعمال والأسر الأرستقراطية رحالهم على متون الطائرات المحلّقة صوب أوروبا الباردة، ويستعد آخرون للانطلاق في سياراتهم العائلية إلى مصايف الجنوب الجميلة، وقد انتفخت جيوبهم ببطاقات الصراف الملأى بالأرصدة المبهجة، تشتكي الأسر المتوسطة والبسيطة في المدن السعودية الرئيسة، كالرياض والدمام وجدة ومكة المكرمة، من الفراغ «القاتل»، وندرة وسائل الترفيه. ويعاني بعضها مما يسمونه «الابتزاز السافر» في سوق الترفيه الصيفي في الإجازة، وتصل المعاناة إلى أن يلجأوا إلى حرمان الأبناء بصورة نهائية من أي برنامج ترفيهي في المراكز الصيفية. ويحاول مراهقون البحث عن أعمال موسمية. «أطفالي وقعوا ضحايا مروجي الترفيه الرخيص»، يقول محمد الحربي الذي يعيل أسرة مكونة من أطفال تتفاوت أعمارهم بين الطفولة والمراهقة. ويروي معاناته بالقول: «ذهبت إلى الملاهي كما وعدت أطفالي بعد نجاحهم في الامتحانات، وخلال ليلة واحدة صرفت ما يزيد على 1000 ريال، بسبب تكاليف الدخول، وحجز الغرفة، ثم بدأت معاناة الألعاب والأكل والشرب». ويضيف: «أحياناً، تلجأ عائلات بسيطة ومتوسطة الحال إلى الحدائق العامة، المتنفس الوحيد المتاح لجميع أطياف المجتمع، للتنزه والترويح. لكن تلك الأماكن لا تقل إشكالية، فهي تكتظ بالكثير من المراهقين، ويحصل فيها عراك وتحرشات». يقول محمد صالح، إمام مسجد غرب الرياض، إن أفراد أسرته «يعانون ضغطاً وشدة، لأنني ألزمهم الالتحاق بحلقات التحفيظ، ولكنني مضطرّ إلى ذلك، لسببين: الأول أن الحدائق العامة والمتنزهات مكتظة وغير مريحة، ويخشى فيها المرء من خوض شجارات مع آخرين. والثاني أن المصاريف مرتفعة في بقية المتنزهات التجارية، إذ تحتاج الأسرة لمجرد الدخول وحجز مكان، ثم اللعب والغذاء، إلى أكثر من 25 في المئة من الراتب الشهري». وهو وعد أبناءه بأداء العمرة ثم السكن في المدينةالمنورة مدة أسبوع. وأحياناً، يحاول الترويح عنهم بالخروج إلى أطراف المدينة قبيل منتصف الليل، «حيث نقوم بالشواء ونسهر حتى الفجر... تلك هي الحيلة الوحيدة التي أمتلكها لمواجهة غلاء الصيف وخديعة الترفيه التجاري». ويقول أحد الطلاب المنضمين إلى دورات التحفيظ بغرب الرياض: «نشكر منظمي هذه الدورات لأنها تساعدنا على حفظ القرآن والمتون المهمة، وعلى النوم في وقت مبكر من الليل، لكي نستيقظ فجراً، فيحضرون لنا الفطور قبيل حلقات الدرس. ومن ثم نستمر في الدرس حتى بعد الظهر، فنعود منهكين جداً، ونبكر في النوم لنستيقظ باكراً». ويفضّل الطالب ذلك على «التنافس على إهدار أموال أسرنا في الملاهي أو البحث عن شاليهات ترتفع إيجاراتها إلى أسعار خيالية». ويروي أنه من أسرة دخلها متواضع، لذا تقضي الفتيات أغلب أوقاتهن في السهر ومتابعة المسلسلات والأفلام. أخوه الأكبر سائق أجرة، وهو اختار طريق العلم الشرعي والدعوي. والده متقاعد، ينشغل في بعض الأعمال الحرّة: «كنت أساعده في هذه المهنة، أما طعم الإجازة فلا نعرفها إلا من جهة أنها وقت يجب إضاعته بقدر الإمكان في ما يفيدنا، لئلا يجذبنا «مغنطيس» الإسراف، خصوصاً أن دخلنا بالكاد يكفي لسد حاجات المنزل في ظل الغلاء المستشري في البلد... ونحن مقدمون على زواج وتكاليف عويصة، ولا وقت لدينا للترفيه!»