افاق المسؤولون في الاتحاد الأوروبي على ذهول شديد جراء صدمة نتائج استفتاء بريطانيا، لكن المواقف التي صدرت لم تكن مرتجلة لأن كلا من المؤسسات والعواصم المعنية، تهيأت لمواجهة خيار المغادرة. وكان لكلام المستشاره الألمانية انغيلا مركل عن التعامل بمزيد من العقلانية ازاء «الضربة الموجهة الى اوروبا» اكثر من مغزى، انعكس في تأكيد سائر القادة والمسؤولين الاوروبيين في مقدمهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك «حاجة الاتحاد الى وقفة لبحث آليات مواجهة التحديات»، وهي كثيرة، من تدفق اللاجئين حتى مخاطر تنظيم «داعش» مروار باستمرار ارتفاع معدلات البطالة ونقص النمو وتنامي النزعات القوميه المناهضة للمسار الاندماجي. واتخذت المانيا موقع القيادة بدعوة وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير نظراءه وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد، الى اجتماع اليوم السبت، مكتفياً بالتعليق على الحدث بالقول ان الاتحاد «يفقد بلدا ذا تاريخ وتقليد وتجربة أثرت على مدى عقود في الشأن الأوروبي». وفي انتظار الحراك على مستوى الدول، أجرى رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكير ورئيس البرلمان مارتن شولتز ورئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتي الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد، تقويما للوضع غير المسبوق في الاتحاد. وأعربوا في بيان عن «الحزن للقرار واحترامه». لكن الاهم كان تشديدهم على حكومة المملكة المتحدة بضرورة الالتزام ب»تنفيذ قرار الشعب البريطاني في أقرب وقت ممكن مهما كانت طبيعة الوضع المؤلمة». وأجمع المسؤولون الأوروبيون طيلة نهار أمس على وجوب تقييد «مرحلة الغموض» الذي اعتبر يونكر ان «أي تأجيل سيمدده». وحددت المادة خمسون من المعاهدة الأوروبية في 2009 شروطاً للانسحاب من عضوية الاتحاد. وسيتم تفعيلها للمرة الاولى وهي تقضي بالسماح ل»الدولة العضو اتخاذ القرار وفق مقتضياتها الدستورية» وعند تقديم (الدولة) طلباً رسمياً فان «القمة الأوروبية تحدد التوجهات التي تقود الى اتفاق يصوت عليه بغالبيه ويصادق عليه البرلمان». وقد تدوم مرحلة التفاوض سنتين. وينتظر الاتحاد الأوروبي من بريطانيا تقديم الطلب الرسمي بالانسحاب وأن يبدآ معا مرحلة الانفصال بالتراضي. وقال يونكير في نهاية الاجتماع التقويمي صباح أمس: «نتوقع من الممكلة المتحدة تقديم اقتراحاتها من أجل بناء شراكة وثيقة مع الاتحاد». واضاف انه إلى حين انتهاء مسار مفاوضات الانسحاب فان «المملكة المتحدة تظل عضوا في الاتحاد بكل ما يترتب على العضو من واجبات وحقوق وأن القوانين الأوروبية ستظل سارية المفعول في بريطانيا بمقتضى المعاهدة الأوروبية التي وقعت حكومتها». ووصف رئيس المجلس الأوروبي خروج بريطانيا ب «المأساة السياسة حيث لا مجال لتوقع كافة العواقب السلبية التي ستترتب عنها». وقال تاسك ان الاتحاد «تهيأ لهذا السيناريو». ومكنت الاتصالات التي أجراها مع قادة الدول الأْعضاء ال27 على ابداء «التصميم على الحفاظ على الاتحاد لأنه اطار المستقبل المشترك». وستتصدر أزمة خروج بريطانيا جدول أعمال القمة الأوروبية في مطلع الأسبوع المقبل. كما سيعقد البرلمان دورة استثنائية يوم الثلثاء المقبل لتقويم قرار خروج بريطانيا مشروطاً بتفعيل المادة 50 من المعاهدة. وأكد رؤساء المجموعات السياسية في البرلمان الأوروبي على وجوب عدم التأخر في تنفيذ قرار الشعب البريطاني من خلال بدء مسار انسحابها لأن استمرار الغموض يزيد في إضطراب أسواق المال وشكوك الرأي العام. وأكد مانفريد ويبر رئيس مجموعة «حزب الشعب الأوروبي» (ديموقراطي مسيحي) على وجوب بدء مفاوضات انسحاب بريطانيا فوراً. وشدد ويبر على «الحاجة الى الوضوح وانه لا يمكن للاتحاد أن ينتظر الى حين حسم المعركة داخل الحزب الحاكم في بريطانيا واختياره رئيسا جديدا للحكومة». وطلب في الاجتماع مع نظرائه ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز «البدء في المفاوضات فورا لأن المشكلة بريطانية وليست اوروبية بدليل أن الجنيه يتضرر أكثر من اليورو في أسواق المال». وفي السياق ذاته، تحدث رئيس «المجموعة الليبرالية» غي فورهوفشتات عن وجوب الاسراع في اطلاق مسار خروج بريطانيا من الاتحاد. وقال: «دعونا نكون نزيهين. الموقف البريطاني يبدد الغموض ويضع حدا لخلافات (مع بريطانيا) دامت اربعين سنة». وانتقد فورهوفشتات تأجيل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون موعد تقديم طلب الانسحاب الى خلفه بعد مؤتمر حزب المحافظين في الخريف المقبل، «ما يعني أن الغموض سيتواصل الى نهاية هذا العام. وهذا أمر غير مقبول».