ثمة هولندي يبتسم في مكان ما من كاتالونيا. وهذا الهولندي هو يوهان كرويف. وكان فريق «البيتلز» يغني مجتمعاً حين دعا كريوف الى كرة قدم هجومية ركناها تمريرات قصيرة، وتقدم متعرج صوب مرمى الخصم. فعشق المدرب الهولندي عشرات الملايين من غير أن يتوج بطل العالم في كرة القدم. وهو استمال الى عقيدته الكروية هذه، حين لعب في فريق هولندا في السبعينات ثم تولى تدريب فريق نادي إف إس برشلونة سنة 1988، فريقين وطنيين، الهولندي والاسباني. ومباراة الدور النهائي في مونديال 2010 تكريس لنهج كرويف الذي خالف الرأي الغالب طوال العقود الأربعة الماضية على الرياضة الكروية. والرأي الغالب فرض هيمنة اللعب الدفاعي على الفرق الأوروبية وغير الأوروبية في ال 20 سنة الأخيرة. ويصح هذا القول أولاً في الاسبان ولعبهم. فهم يهوون استراتيجيات الهجوم التي صممها كريوف، وأثنى عليها لاعبو الفرق الذين انتصر الاسبان عليهم، وأثنى عليها كريوف نفسه. وقال مدرب الفريق الألماني، يواكيم لوف، غداة هزيمة فريقه أمام الفريق «الأحمر العاصف» في 7 تموز (يوليو)، ان الاسبان هم «أسياد اللعب، وتحقق تمريراتهم كلها هذا الرأي». والحق أن الهولنديين أقل تمسكاً بطريقة نجمهم السابق ونهجه الكروي. وهم يقدمون الاستحواذ على الكرة والسيطرة عليها وتداولها بين أقدامهم بضربات سريعة. ولكنهم خالفوا تعليم كرويف الأساس، على ما قرعهم المدرب ونبههم، ومالوا الى أداء متصلب وقليل المرونة والابتكار. والمباراة النهائية كانت مختبراً لفلسفة كرويف. وساد انطباع، في الثلاثين عاماً المنصرمة، أن الهولنديين راضون بمنزلتهم أو محلهم من نظام كرة القدم الطبيعي. فهم المثاليون الانقياء الذين يلعبون على طريقتهم، وهي طريقة كريوف. ولا ريب في أن خسارتهم المباريات، واستبعادهم في التصفيات، كانت تؤلمهم، ولكن وسعهم القول أن الفرق التي تقدمت عليهم أضعف فناً وتأنقاً، أو انها فرق قايضت الفوز والربح بالتخلي عن فن اللعب. وذهب المدرب الهولندي، بيرت فان مارفييك، الى أن كرويف هو «أعظم لاعب كرة قدم في العصور كلها». وهو كان قال في وقت سبق المباراة: «إذا استطعنا الفوز ونحن نلعب لعباً جميلاً كان هذا رائعاً». ولكنني قلت قبل عامين، حين نصبت مدرباً، أن علينا الفوز أحياناً في مباريات قبيحة». ولعل هذا ما حاول فريق اسبانيا تجنبه، أي احراز النصر في مباراة قبيحة بأي ثمن، على رغم أن فينينتي ديل بوسكي، المدرب الاسباني، لم تبلغ به الأريحية حد الاقرار بدَين فريقه الى أسلوب الفريق الهولندي والى كرويف. فقال بعد الانتصار على ألمانيا: «لا أدري إذا كان هذا يشبه الطريقة الهولندية، والمعيار هو مستوى لعب اللاعبين في قلب اللعب والميدان، وعندما يتمتع اللاعبون بالانضباط والتماسك في مستطاعهم أداء لعب فني، ولاعبونا رائعون، ولا يعوزهم التماسك والانضباط وعلى هذا فأمورنا ميسرة على خير وجه». وجلي أن تشافي واندريس إنييستا وسيرجيو بوسكيتس، وهم نواة الفريق ويلعبون معاً في نادي «البرسا»، يوحي أداؤهم بالأسلوب الهولندي في سبعينات القرن الماضي. فهم يتمتعون بوعي مركز، وبسرعة بديهة ودقة تمرير، هي متن فريق اسبانيا وسنده. وعلى خلاف المواجهة بين الفريق الألماني والفريق الهولندي، ليست المباراة النهائية تصفية حساب ميدانية بين خصمين تاريخيين. ولم يسبق أن نازل الفريقان واحدهما الآخر على لقب كبير. والفريق الهولندي انتصر في 6 مباريات لعبها في تصفيات كأس العالم بجنوب افريقيا. ومنذ تبني صيغة المباريات الثلاث، في 1958، بلغت المباراة النهائية 3 فرق فازت في المباريات السابقة كلها. وفي المرات الثلاث فازت بالكأس. * معلق، عن «وول ستريت جورنال» الأميركية، 10/7/2010، إعداد حسام عيتاني ووضاح شرارة