يقدم المفكر الإيراني وأستاذ علم الاجتماع «إحسان نراغي» رؤية معمقة عن أسباب سقوط نظام الشاه في إيران، وفي كتابه «من بلاط الشاه إلى سجون الثورة» هو عبارة عن مقابلات أجراها المؤلف مع الشاه في المرحلة الأخيرة قبل سقوط النظام، إذ استعان الشاه به كمستشار ولكن كان الوقت متأخراً لتفادي سقوط النظام، إلا ان تلك المقابلات تقدم قراءة لما وصل إليه الوضع في إيران من تدهور أدى في النهاية إلى خروج الشاه من إيران إلى الأبد وقيام الثورة هناك في عام 1979. الشاه كان لديه إيمان شبه مطلق بأن أجهزة الاستخبارات الغربية، خصوصاً البريطانية والأميركية، هي من تسيطر على منطقة الشرق الأوسط، وقد كان ذلك بسبب قيام تلك الأجهزة الاستخباراتية بإعادة الشاه إلى الحكم بعد حركة مصدق الوطنية في الخمسينات، فقد دخل عليه احد ضباط الاستخبارات الغربية، والشاه والملكة يتناولون العشاء في احد المطاعم الراقية في روما، وأخبره بأن باستطاعة الشاه العودة إلى إيران بعد إبعاد مصدق من الحكم، ويروي المؤلف أن الشاه وفي زيارة رسمية لبريطانيا، وكما تقتضي البروتوكولات الديبلوماسية، فقد طلب الشاه ان يزور مقر المخابرات البريطانية، وهو ما تم بالفعل، وقد طلب ان يطلع على ملفه وملف والده، وهو ما تحقق، ولم يخبر الشاه أحداً عما وجده في تلك الملفات من معلومات عنه وعن أبيه. يتطرق المؤلف إلى قضية تم مناقشتها مع الشاه، التي قد تكون من الأسباب التي جعلت النظام مكروهاً، وهو إنشاء جهاز «السفاك» أي الاستخبارات، الذي كان له سمعة سيئة من جراء الممارسات والقمع الذي يقوم به ضد أبناء الشعب الإيراني، متوافقاً ذلك مع مجموعة من الخبراء والمستشارين الذين يقدمون تقاريرهم للشاه والتي هي صورة غير حقيقية لما يحدث في الواقع، وقد تحسر الشاه على ذلك في احد لقاءاته مع المؤلف، عندما قال له لقد أتيت متأخراً، أين كنت في الماضي، لكن المؤلف قدم صورة حقيقية لما يجري في البلاد وأسباب القلاقل والمظاهرات والعصيان الذي كان يحدث في المدن الإيرانية، والتي طرحها بشكل شفاف وبأدب وقد ركز على ان الفساد المنتشر في الأجهزة الحكومية وكذلك بعض أفراد أسرة الشاه كان له تأثير سلبي لدى أبناء الشعب الإيراني، استفادت منها قوى المعارضة الإسلامية والشيوعية والقومية. لقد كان حلم الشاه ان يكون خامس قوة في العالم من حيث الموازين العسكرية، فقد عجل بنهايته، وهذا السيناريو يتكرر في منطقتنا من حيث بناء القوى العسكرية وطموحات السيطرة، ولكن النهاية في معظم الحالات تكون متشابهة من النظام الناصري، إلى نظام صدام حسين، إلى نظام إيران الحالي، فالشاه مثلاً يسأل المؤلف لماذا الصحافة الغربية، خصوصاً الفرنسية ومنظمات حقوق الإنسان، تنتقد وتشن الحملات على إيران الشاه في قضايا حقوق الإنسان فقط، وليس دول المنطقة المجاورة، فيؤكد له المؤلف ان الدول المجاورة لا تسعى ان تكون دولاً عظمى، وهذا هو السبب في السكوت عنها من الغرب، إضافة إلى ان السجون الإيرانية كانت مليئة بسجناء الرأي، فلو ان النظام تعامل مع هؤلاء بشيء من الواقعية والشفافية لما أصبح عرضة للابتزاز من منظمات حقوق الإنسان الدولية، هذه رؤية المؤلف للشاه، بل انه اقترح ان يقوم النظام بالإفراج عن بعض السجناء السياسيين في مناسبات حقوق الإنسان العالمية، مثل اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ولكن مثل هذه الخطوات لم يؤخذ بها بسبب ضيق الوقت والتشويش الذي أصاب الشاه في الأشهر الأخيرة من حكمه. هل نقول: التجارب الغربية في التنمية في الداخل الإيراني وقت الشاه قدمت لخصومه الأرضية المناسبة لكسب الغالبية التقليدية من أبناء الشعب الإيراني بسبب هذه السياسة التغريبية، خصوصاً من خصومه رجال الدين والبازار المتعاطف معهم؟ والمعروف ان هم الشاه الوحيد في ذلك الوقت هو نسخ الغرب، مظهراً حيال كل ما يتسم بالمحلية جهلاً مصحوباً بالاحتقار في أحيان كثيرة، إضافة إلى اتفاقات الامتيازات الموقعة مع بعض الدول الغربية التي ترى القوى السياسية اليسارية منها أو الدينية بأنها إهانة لإيران عملت المعارضة على استغلالها لإضعاف النظام وكشفه أمام الشعب الإيراني. بعد سقوط النظام يتعرض المؤلف للاعتقال في سجون الثورة بسبب علاقته بالرئيس بني صدر الذي ساعده المؤلف في عصر الشاه للخروج من إيران لبعثة دراسية امتدت 20 عاماً، من خلال وصفه لسجن «افين» يقدم صورة لما مرت به إيران من صراع بين القوى الناشئة في تلك المرحلة من الخومينيين والشيوعيين والمجاهدين، وكيف وصل العنف مداه في الشارع الإيراني، مناقضاً لمقولة ان الثورة الإيرانية ثورة بيضاء، بل هي ملطخة بالدماء والصراعات، واكبر دليل على ذلك هو الإعدامات التي كانت تسمع في كل ليلة في سجن «افين» لأعداد تصل للعشرات من المعتقلين في محاكمات صورية سريعة. يعتقد الكاتب مشكلة النظام السابق أنه كان يسعى للصدارة، ولا يرى في الخطر الآتي إلا من الشيوعية، ولم ينتبه من ان الخطر الحقيقي يأتي من الداخل. [email protected]