تواصلت المساعي الأميركية لإنقاذ عملية السلام المتعثرة، وأعلن مسؤولون قريبون من المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية أمس أن اجتماعاً ثلاثياً بحضور المبعوث الأميركي مارتن انديك سيعقد اليوم، علماً أن أنديك كان التقى أول من أمس كلاً من كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ورئيسة الوفد الإسرائيلي تسيبي ليفني. في هذه الأثناء، تحدثت مصادر أميركية موثوقة ل «الحياة» عن ارتفاع حدة انتقادات شخصيات قريبة من الرئيس باراك أوباما لأداء وزير الخارجية جون كيري ووضعه الإدارة الأميركية في موقع محرج. وأكدت أن تخبط المفاوضات والوسيط الأميركي، وعدم إمكان إتمام صفقة الأسرى، وصولاً إلى طرح فكرة الإفراج عن الجاسوس الأميركي الإسرائيلي في السجون الأميركية جوناثان بولارد من دون الوصول إلى نتيجة، يضع الإدارة في وضع محرج ويدفعها إلى محاولة البحث عن مخرج يحفظ موقعها التفاوضي ويسهم في تنازل حقيقي في العملية. وأكدت أن الانتقادات ضد كيري ارتفعت في أوساط مستشاري أوباما، خصوصاً مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، لأنه بالغ منذ البداية في التوقعات بإمكان التوصل إلى اتفاق إطار، وفي ما يمكن أن يقدمه الأميركيون في العملية. وأشارت المصادر خصوصاً إلى قضية بولارد الذي رفضت إدارتان أميركيتان سابقتان الإفراج عنه حتى عندما كانت المفاوضات في مرحلة أكثر تقدماً من الوقت الراهن. وأكدت أن البيت الأبيض يتخوف من انعكاسات كل ذلك على أمور تتخطى عملية السلام، وترتبط بموقع الولاياتالمتحدة، خصوصاً بعد أزمة أوكرانيا والتحدي المفتوح مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين. وانطلاقاً من ذلك، تحاول الإدارة البحث عن مخرج يحتوي الأزمة، ولا يكلف الإدارة مزيداً من رأس المال السياسي في عملية تفاوضية تبناها كيري بشكل شخصي منذ اللحظة الأولى. يذكر أن المفاوضات تعثرت بعد رفض إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل التوقيع على اتفاق أوسلو (30 أسيراً يشملون أسرى من عرب الداخل)، واشترطت لذلك تمديد المفاوضات إلى نهاية العام، وهو أمر رفضه الفلسطينيون وأصروا على إطلاق الأسرى أولاً، ثم البحث في إمكان تمديد المفاوضات. وفيما كان الوسيط الأميركي يحاول مع الطرفين التوصل إلى اتفاق على التمديد، أعلنت إسرائيل طرح عطاءات مفاجئة لبناء 708 مساكن استيطانية في القدسالمحتلة، وهي خطوة اعتبرها الفلسطينيون استفزازية تهدف إلى تدمير المفاوضات، ورد عليها الرئيس محمود عباس بالتوقيع على طلبات الانضمام إلى 15 ميثاقاً ومعاهدة دولية أكدت الأممالمتحدة أنها لا تتضمن «معاهدة روما» الناظمة لعمل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. على رغم ذلك، استغلت إسرائيل هذه التطورات، وشنت حملة ضارية ضد السلطة بهدف تحميلها مسؤولية فشل عملية السلام. في غضون ذلك، واصل الوسيط الأميركي اتصالاته مع كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، طارحاً حلاً وسطاً أميركياً يقضي بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى في مقابل إطلاق بولارد، وإطلاق 400 أسير فلسطيني خلال المفاوضات بالتوافق بين إسرائيل والفلسطينيين، وتجميد خطط البناء الاستيطاني التي أقرت خلال المفاوضات في الأشهر التسعة الماضية. لكن وبسبب ما اعتبره الفلسطينيون عدم جدية إسرائيل في المفاوضات ورغبتها في السير فيها إلى ما لا نهاية من دون نتائج، أصرت السلطة على مجموعة من المطالب للعودة إلى المفاوضات، بينها إطلاق 1200 أسير تختارهم هي، وفتح مكاتبها في القدس، ووقف اقتحامات الجيش الإسرائيلي للمناطق الخاضعة لها، ووقف شامل وكامل للاستيطان، ولم شمل 15 ألف فلسطيني، والسماح بالاستثمار في المناطق «ج» الخاضعة لإسرائيل أمنياً وإداريا في الضفة الغربية. وأكد نائب رئيس الوزراء الفلسطيني زياد أبو عمرو ل «الحياة» أن عدم إطلاق إسرائيل الدفعة الرابعة من الأسرى يشكل خرقاً كبيراً للمفاوضات، لكنه لا يلغيها، محملاً الجانب الإسرائيلي مسؤولية التعثر الحالي في المفاوضات و «إحراج الأميركيين بسبب التهرب من الاستحقاقات التي وقعوا عليها». وقال: «كيري في كل اتصالاته مع عباس يؤكد ذلك»، لافتاً إلى أن بناء المستوطنات هو إجراء أحادي الجانب من الطرف الإسرائيلي. ودافع عن الموقف الفلسطيني قائلاً: «نحن التزمنا كل حرف في بنود الاتفاق، لكن هم (الإسرائيليون) الذين خرقوا الاتفاق». وزاد: «نحترم تعهداتنا ونلتزم ما وقعنا عليه، لذلك توجهنا فعلاً إلى الأممالمتحدة»، معتبراً أن هذه الخطوة هي إحدى الخيارات والبدائل المطروحة أمام الفلسطينيين في حال حدوث انسداد في العملية السلمية نتيجة تعنت إسرائيل والخرق المستمر لتعهداتها. وقال إن «هناك خيارات أخرى أمام القيادة الفلسطينية ممثلة باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير»، معتبراً أن «قرار حل السلطة هو تحصيل حاصل في حال لم تستطع السلطة القيام بواجباتها نتيجة الإجراءات الإسرائيلية التي لا تتوقف والتي من شأنها أن تفرغ السلطة من مضمونها».