«إل ديفو» IL DIVO. فرقة «بوب - رالية» من أربعة ذكور أوروبيين فائقي الوسامة ومتألقي الصوت تغني في الدورة الخامسة والعشرين ل «مهرجان بيت الدين» الموسيقي. وباللغة الإيطالية، يعني اسم الفرقة «المغني الذكر السماوي» divine male performer، بحسب بعض مواقع الانترنت. وتزور الفرقة لبنان للمرة الأولى، وتحلّ ضيفة على بيت الدين. اسم هذه البلدة المكينة الموقع في جبال الشوف، يتصل بالمقدس والديني. واختار مهرجانها أن تكون «ألف ليلة وليلة» ترسيمته لهذا العام. وزيّن كتاب المهرجان برسوم شرقية وفارسية عن حكايا اسطورية، لا تعدم صلة ما بالتراث الروحي والمقدس للشرق. وفي 2010، دخل «مهرجان بيت الدين» عامه ال25 (وذاك سن الشباب)، معتزاً بأنه صار جزءاً من «رابطة المهرجانات الأوروبية»، كما أطلق مشروع توأمة مع مهرجان الاردن. وقبل 25 سنة، لم تكن الطريق التي تصل بيت الدين ببيروت، سوى مسار حرب، بل حروب، استخدم فيها الدين والموروث والمقدس، في شكل فائق الهمجية والتوحّش والتعصّب والدموية. وراهناً، تسير الطريق عينها بزائري مهرجان بيت الدين، بذاكرة تحاول التخفّف من صور تلك الأيام الصعبة وما تلاها. وتتخفف من ثقل الذاكرة والألم بعودة من هجّرتهم الحرب (خصوصاً المسيحيين)، وبالأمل بأن تعود أعداد أكثر، كي تحفظ للتجربة اللبنانية غناها في التنوّع. في الخفة والتنوّع و... العطور مع الوصول الى بيت الدين، تهبّ نسمات من التنوّع، بل عواصف من التعدّد. فعلى ترسيمة التعدّد، صنعت فرقة «إل ديفو» أصلاً. وتشكّلت على يد سايمون كويل في العام 2004، بعد ان استمع الى الأداء الاوبرالي للمغني اندريا بوتشيللي في فيلم «سوبرانوز». والتقط كويل ميلاً ما بعد حداثياً يميل الى تكسير الحواجز بين الأنواع الراسخة تقليدياً، كأن تؤدى أغاني البوب على أصوات الأوبرا وطرائقها. والحق ان مجموعة من فرق معاصرة وما بعد حداثية تؤدي هذا النوع من الغناء، الذي يحمل اسم «بوب - أوبرا» Pop Opera مثل «جي 4» و «أول أنجلز» و «أوبرا بابيز» وغيرها. وأضاف كويل التعدّد الى ترسيمة تحطيم الحدود بين الأنواع. وجمع بين أصوات بأداءات متنوّعة وهويات مختلفة. وهكذا، تألّفت فرقة «إل ديفو» من أربعة تنويعات في الأجساد والأصوات. ويؤدي الإسباني كارلوس مارتن، غناء بصوت الباريتون العميق، الذي يعتبر وسطاً بين صوتي الباس الخفيض جداً والتينور الأكثر سعة وعمقاً، وهما بداية سلّم رباعي للأصوات الذكورية في الأوبرا، فيأتي بعدهما صوتا السوبرانو والآلتو. ويقابل التينور الإسباني، التينور الأميركي ديفيد ميللر والتينور السويسري أورس بوهلر. وينتمي سباستيان إزمبارد، وهو الصوت الذكري الرابع في الفرقة، الى غناء البوب. وتؤدي الفرقة أغاني اشتهرت على أصوات أخرى، مثل سيلين ديون وبربارة ستراستراند وتشارلز أزنافور وفرانك سيناترا وغيرهم، بأصواتها المتمكنة من تدرّجات الأوبرا وتردداتها «فيبراتيم» وسلّمها موسيقياً. والحق ان الفرقة لا تملك سوى حفنة قليلة من الأغاني الخاصة بها، وقد أدّت بعضها في بيت الدين، مثل «ماما» التي تألق فيها صوت التينور الأميركي ميللر. وبقول آخر، فإنها تستعير موروثاً موسيقياً قديماً يرجع خصوصاً الى فترة ال «باروك» الكلاسيكية الفائقة الأبهة، كي تؤدي أغاني البوب وألحانه الحديثة. والحق أن بعض أصوات عربية تحاول أمراً مشابهاً، خصوصاً المطرب عبده الشريف وأمال ماهر، من دون ان تجد تلك الأصوات طريقاً يخرجها من ترسيمة التقليد وتكرار القديم على حاله، من دون تجديد ولا تنويع. وعلى ترسيمة التعدّد، تسير ألسنة الجمهور، إذ تربط اللبنانية المحكية فيه الإنكليزية بالفرنسية، وقليل من لغات اخرى. وتنتثر التعددية على الملابس، خصوصاً النسائية منها، فتجمع تنويعات من الموضة الغربية (كاجوال، جينز بخصر منخفض، تي شيرت كات، جاكيت بوليرو قصير، فوريير، تاييرات متنوعة، فساتين كلاسيكية وغيرها) مع ملابس يعلوها الحجاب أحياناً. ويرافقها تنوّع، أقل ربما، في العطور، حيث تفوح روائح العود والطيب العربي لتخترق غلالة غير مرئية من عطور «شانيل» و «جيفانشي» و «جيورجو أرماني» و «كارتييه» و «دوليس أند كابانا» و «كالفن كلاين» وغيرها. وفي موسم سياحي مزدهر، تتنوّع الوجوه لتجمع العرب والبحر المتوسط وأوروبا وأميركا. وتسير أمور التواصل بين هذه التنويعات بيسر وخفة، ما يشكّل جزءاً من ريبرتوار لبناني معروف. ملابس رسمية لغناء كرة القدم تبرز فرقة «إل ديفو» تنوّعاً فيه ذائقة ما بعد حداثية واضحة. فعلى مسرح بيت الدين، جلس ما يزيد على 25 عازفاً، غلبت عليهم الآلات الوترية، مثل الفيولون والتشيللو، وأربعة عازفين لآلات النفخ (فلوت وكورن وأوب)، إضافة الى مجموعة ال «درامز» الوثيقة الصلة بالبوب، مع آلة رقمية تجمع البيانو مع ال «كي بورد» (ينوب عن آلات كثيرة مثل الأرغن والزستار والترانغل وغيرها). ويضاف الى هذه المجموعة الغيتار، وهو آلة لموسيقى أميركية الطابع تشمل الروك الكاونتري والبلوز وتنويعاتها؛ والغيتار الكهربائي الذي أطلق موجات معاصرة من موسيقى البوب، تتضمن الراف والميتال والهيفي ميتال والراب. وقادت يد نسوية وآسيوية هذه الآلات مجتمعة. وعلى إيقاعات هذا التنوّع، تؤدي «إل ديفو» الأوبرا الممزوجة بالبوب (يسمى «بوب أوبرا» pop opera)، وبالأحرى تؤدي بأساليب الأوبرا وأدواتها، أغاني البوب الغربية، خصوصاً تلك التي تنتمي الى سبعينات القرن العشرين وثمانيناته. وتبرع الفرقة في تنسيق أصوات الغناء الذكوري. وفي بيت الدين، غنّت تلك الأصوات أغاني شملت «أي بليف إن يو» («أؤمن بك») و «بور كي تو ميم أنكور» («كي تستمر في حبي») لسيلين ديون، و «دوينغ إت ماي واي» («أفعلها على طريقتي») لفرانك سيناترا، و «شي» («هي») لتشارل أزنافور وغيرها. واللافت ان الأغاني توزّعت برشاقة على أربعة أصوات، متفاوتة أوبرالياً، من دون عبء على التنسيق والهارموني للحن والأداء. وكذلك أُدّيت غير أغنية (مثل «وز أوت يو» - «من دونك»)، بأكثر من لغة، وبالخفة والرشاقة والهارموني عينها أيضاً. واستعمل كارلوس بعضاً من الإغواء الذكوري، حين دعا الحاضرات الى مشاركته في أغنية تتضمن إيقاعاً لرقصة السالسا، مشيراً الى أنها ستُظهر الأكثر جاذبية في الجنس بينهن! وكذلك أثار السويسري بوهلر الجمهور بدعوته له للتصفيق على طريقة حفلات البوب. وعلى رغم ذلك، لم تسر الفرقة في تلاعبات البوب المعاصر، الى النهاية. فحرصت على الظهور، منذ اللحظة الاولى، بالبدلات الرسمية، مع غياب الكرافات والبابيون، ما ضمن استمرارها في خط الخفة وذوقها. وكذلك لم تغرق قصّات شعر الذكور الأربعة في التقليدية، ولا هي ضربت في أنساق فائقة المعاصرة، مثل البانك. واختتمت الحفلة على الفرقة مرتدية بدلات التوكسيدو الرسمية، وقد اشتهرت بها فرقة «ثري تينورز» الاسطورية التي جمعت ثلاثة أصوات أوبرالية خرافية: بلاسيدو ديمنغو وغوسيه كاريراس ولوتشيانو بافاروتي، الذي حطمت وفاته في 2007 هذه الفرقة. والطريف ان كرة القدم، التي يسيطر مونديالها على الأجواء، تجمع أيضاً بين فرقتي «إل ديفو» و «ثري تينورز». فقد ترافق انطلاق الفرقة الأخيرة مع احتفالات ختام مونديال 1990 في الولاياتالمتحدة الأميركية. وأدت فرقة «إل ديفو» الأغنية الرسمية للفيفا في افتتاح كأس العالم لكرة القدم في ألمانيا 2006، وعنوانها «تايم أوف أور لايفز» (= «زمن حيواتنا»). وفي ملابس التينور الرسمية، أدّت فرقة «إل ديفو» أغنية دينية هي «هللويا»، حيث أدى الغيتار الكهربائي صوتاً يماثل أجراس كنائس مجتمعة ومتآلفة. وأعاد رنين الأجراس، فكرة المقدس والديني وموروثاتها، فلاقى «مهرجان بيت الدين» وترسيمته، بأكثر مما تعلن الموسيقى والأصوات.