في اليوم الأخير من أيار (مايو) المنصرم انشغلت الصحافة الصربية بحدث غير عادي، هو اختيار الصربي إيفان تريفونيتش الذي أصبح يسمى عبدالله نعمان بعد اعتناقه الإسلام، على رأس المشيخة الإسلامية في صربيا، بعد أن استقال الرئيس السابق الشيخ محمد يوسف سباهيتش الذي أصبح أول سفير لصربيا في المملكة العربية السعودية. في 2007 أصدرت صربيا بعد استقلال الجبل الأسود عنها قانوناً جديداً للأديان نصّ على تمثيل أتباع كل دين في هرمية أو مؤسسة واحدة تمثلهم أمام الدولة. ولم يكن الأمر يعني هنا الكنيسة الصربية الأرثوذكسية التي تتمتع بتقاليد راسخة ومكانة مؤثرة في الدولة، بقدر ما كان يعني المسلمين الذي تحولوا إلى أقلية بعد تشظي يوغسلافيا في 1991- 1992 وتحولها إلى سبعة دول لاحقاً. كان المسلمون يمثلون 20 في المئة في الدولة المشتركة وكان في بلغراد وحدها مئة ألف مسلم وانخفض هذا العدد في كل صربيا إلى حوالى 300 ألف يمثلون أقل من 3 في المئة من عدد السكان. وغالبية المسلمين في صربيا هم إما من البشناق أو من الألبان، ولذلك بقوا على علاقة روحية- مؤسساتية مع الدول المجاورة التي انبثقت عن يوغسلافيا (البوسنة وكوسوفو). ظهر هذا بوضوح مع انشقاق المسلمين قي 2007 بين مؤسستين تدعي كل منهما تمثيل المسلمين: «الجماعة الإسلامية لصربيا» برئاسة الشيخ آدم زيلكيتش التي اتخذت من صربيا مقراً لها و»الجماعة الإسلامية في صربيا» برئاسة الشيخ معمر زوكورليتش التي اتخذت من نوفي بازار (مركز اقليم السنجق) مقراً لها. وإلى حين كانت الأولى موالية للدولة وتحظى بدعمها كانت الأخرى تعتبر نفسها امتداداً ل «رئيس العلماء» في البوسنة الشيخ مصطفى تسريتش، ولذلك اكتفى الشيخ زوكورليتش بتسمية نفسه «رئيس جماعة» يتبع المركز الروحي للبشناق (سراييفو)، بينما حرص الشيخ زيلكيتش على أن يكون ندا للشيخ تسريتش وأن يُطلق عليه أيضا لقب «رئيس العلماء». الجماعة الأولى التي تتخذ من بلغراد مقراً لها وتحظى بدعم الدولة تكوّنت من مجلس أعلى ورئيس العلماء ومفتي بلغراد (صربيا الداخلية) ومفتي السنجق (البشناق) ومفتي بريشيفو (الألبان) وكان الأبرز بين هؤلاء مفتي بلغراد الشيخ محمد يوسف سباهينش، الذي عيّن في أواخر 2015 أول سفير لصربيا في السعودية بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وكان لا بد من اختيار بديل له، ولكن هذا البديل جاء على شكل «انقلاب» في اليوم الأخير من شهر أيار (مايو). فقد عقد المجلس الأعلى ل «الجماعة الإسلامية لصربيا» مؤتمره الذي أسفر عن إزاحة «رئيس العلماء» الشيخ آدم زيلكيتش وتعيين الشيخ ايفان تريفونيتش/ عبدالله نعمان مفتياً لبلغراد والشيخ البشناقي حسيب سوليفيتش مفتياً على السنجق والشيخ الألباني غرانيت كامبري مفتياً على منطقة بريشيفو. وكان يمكن المفاجأة الأولى (تعيين أول صربي مفتياً على بلغراد) أن تمرّ، على رغم ما خلّفته من ردود فعل في الصحافة، لكن «رئيس العلماء» زيلكيتش وبعض المريدين له اعتبروا أن ما حدث «انقلاب» وأنه لا يزال الرئيس الشرعي للجماعة الإسلامية، وهو ما أثار التخوف من أن يؤدي ذلك إلى تشكيل جماعة ثالثة تدعي تمثيل المسلمين في صربيا . من إيفان إلى عبد الله نعمان لعبت الكنيسة الأرثوذكسية دوراً كبيراً في الحفاظ على الهوية الصربية خلال الحكم العثماني الطويل، ولذلك حدث نوع من التطابق بين الانتماء الديني (الأرثوذكسي) والانتماء القومي (الصربي)، ولذلك قوبل باستهجان في العائلة من أن يتحول الشاب إيفان تريفونيتش من الأرثوذكسية إلى الإسلام وقوبل الآن باستغراب أن يكون الشيخ الصربي مفتياً لصربيا (بلغراد وضواحيها التي تشكل نصف سكان صربيا) حيث الأغلبية الساحقة من المسلمين هم من البشناق أو من الألبان الذين لا يزالون ينظرون إلى الصرب باعتبارهم ورثة ميلوشيفيتش. وتكشف تصريحات الشيخ عبد الله نعمان بعد انتخابه عن معاناته مع الأسرة بعد اعتناقه للإسلام. فقد ولد في أسرة بلغرادية معروفة عام 1950، وقرّر السفر في سن السادسة عشر إلى الهند واشترى 300 دولار في السوق السوداء من طالب عربي في بلغراد، كان يمثل له أول تماس مع الإسلام. وبعد المحطة الأولى في اسطنبول سافر إلى نيبال ومنها إلى الهند حيث التحق أولاً بمعبد بوذي قرب نيودلهي ثم جذبته العمارة الإسلامية ليقترب من الإسلام ويعتنقه في سن التاسعة عشر. ومع هذا التحول التحق بقسم الدراسات الإسلامية في الجامعة وتابع دراساته العليا في هذا المجال ليصبح أخيراً أستاذاً في جامعة فكتوريا بمأرثولبورن. الشيخ إيفان / عبد الله يروي معاناته مع أسرته بعد أن عاد إلى بلغراد حيث قوبل بالرفض التام. وكانت الجدة لوبيتسا الأعنف قائلة «لقد خطفوا مني حفيدي»، بينما لم تقبل الاستماع إليه سوى عمته الممثلة الصربية المعروفة روجيتسا سوكيتش. في الايديولوجية القومية الصربية، التي برزت بقوة خلال حرب البوسنة، كان ينظر للمسلمين في البوسنة ك «خونة» تخلوا عن ديانتهم الأرثوذكسية خلال الحكم العثماني ليقهروا أخوتهم الصرب الأرثوذكس. ولكن الأمر (وجود صربي على رأس مشيخة إسلامية) بالنسبة إلى الشيخ الأكاديمي ايفان/ عبد الله يبدو مختلفاً لأن «الانتماء الديني» هو الأهم وفق رأيه وليس القومية أو الجنسية بالنسبة الى المسلمين. وربما يخدم هذا الأمر بلغراد الرسمية ، التي بادرت قبل شهور الى تحسين صورتها في العالم الإسلامي بتعيين سلفه المفتي يوسف سباهيتش سفيراً في السعودية، ولكن الرأي العام الصربي لا يزال يشعر بالمفاجأة أو الصدمة. ففي النسخة الالكترونية للجريدة البلغرادية المعروفة «بليتس» التي نشرت الخبر (30/5/2016) كانت تعليقات القراء لافتة. ففي حين كان أحدهم يعبر عن المزاج العام باستهجان كيف يمكن لصربي أن يصبح مسلماً ردّ عليه آخر بأن الصربي كغيره من شعوب العالم يمكن أن يكون أرثوذكسيا أو مسلماً أو ملحداً!