عن منشورات مركز الشيخ إبراهيم آل خليفة للثقافة والبحوث في البحرين، صدر كتاب موسوعي بعنوان «لوحات بيوغرافية من الشرق الأقصى» من تأليف الباحث والأكاديمي عبدالله المدني. يضم الكتاب بصفحاته الثلاثمئة أحد عشر فصلاً، وكل فصل يختص بدولة من دول الشرق الأقصى مثل اليابان، والصين، وإندونيسيا وماليزيا، وتايلاند، وسنغافورة، والكوريتين، والفلبين، وبورما، وكمبوديا. ويقول المؤلف أنه قدم عبرها لوحات هي عبارة عن تراجم مفصلة ودقيقة لشخصيات آسيوية، سواء تلك التي أثرت إيجابياً في حياة بلدانها وشعوبها فاستحقت الاحترام مثل العاهل التايلاندي «بهوميبون أدونياديت» وصاحب المعجزة السنغافورية «لي كوان يو»، أو أثرت سلباً فاستحقت الإزدراء مثل قائد جماعة أبو سياف «القذافي جنجلاني» وسفاح كمبوديا «بول بوت» ورفيقه الأعرج «تاموك». ومعروف أن المكتبة العربية تعاني نقصاً شديداً في المؤلفات التي تتناول منطقة الشرق الأقصى وتحولاتها الكبيرة وتجاربها الحية الباعثة على الدهشة، كنتيجة للتهميش الطويل للمنطقة الآسيوية في الأدبيات العربية. أما الأكثر وضوحاً من ذلك فهو أن المكتبة هذه تعاني فقراً شديداً في المؤلفات التي تتناول السير الذاتية أو التي تترجم لشخصيات آسيوية صنعت الحدث وأثرت في مجرياته. ومن هذا المنطلق، عمل الباحث على تقديم كتاب يخدم الباحثين والدارسين العرب ويسّهل عليهم الاقتباس منه أو الرجوع إليه كمصدر تاريخي في أبحاثهم الخاصة بآسيا. ويصنف المؤلف عمله هذا ضمن كتب السيرة الذاتية ويقول: «الكتاب يهدف أيضاً إلى قراءة تاريخ آسيا من خلال سيرة رموزها الخيّرة والشريرة، وإلى قول أشياء أخرى منها كيف أن رجالاً مهمشين فقراء عملوا في وقت من الأوقات في جمع الزبالة، وصلوا بجدهم وكفاحهم وصبرهم إلى هرم السلطة في بلادهم بلا واسطة أو نسب أو حسب أو تزوير، وكيف أن زعماء حولوا بلادهم، بالتخطيط والذكاء والسياسات العقلانية والإرادة والتصميم، إلى معجزات تبهر أنظار العالم، مثلما فعل «لي كوان يو» في سنغافورة و «مهاتير محمد» في ماليزيا». ويرى المؤلف أن كتابة سير الشخصيات لم تَعد مجرد سرد إنشائي للمعلومات والأحداث والتواريخ، وإنما صارت من الفنون الأدبية التي لها معاييرها الخاصة، وتقنياتها التي تساعد في صوغ المعلومة في قالب أدبي جذاب، وجرأة في المكاشفة والجمع بين الذاتي والموضوعي. ويقول: «أعتقد جازماً أننا متخلفون كثيراً عن الأمم الأخرى في هذا الميدان. ذلك أن أشكال كتابة السيرة الذاتية قد تطورت في الغرب تطوراً كبيراً منذ القرن الثامن عشر، وتطورت في الشرق الآسيوي تطوراً مشهوداً منذ القرن التاسع عشر، فيما هي في البلاد العربية متراجعة بسبب التقاليد والأعراف الاجتماعية وثقافة القمع التي تحد من بوح الشخص لتجاربه كما هي، أي من دون زركشة وانتقائية. هذا ناهيك عما يحس به الإنسان العربي - بحسب قول الناقد جابر العصفور - من مشاعر الخجل والخوف المؤدية إلى اضطراره إلى الرياء حين تناوله سيرته الذاتية».