جذور جريحة عصَتها الكتابة إلى أن أدركت أن بطلتها تحاول استرجاع حب حياتها. عندها فقط وجدت تميمة أَنَم شكل روايتها التي تختم ثلاثية بدأت ب «عصر ذهبي» وتوسّطتها «مسلم طيّب». كانت الأمومة، لا الحب، ما منحها صوتها العاطفي، وطفلها، ابن الثالثة، هو الذي أوحى أصدق رواياتها. بطلتها مثلها ابنة ثوريين، درست في هارفرد، وتزوّجت بنغالياً ثم أميركياً. لكن الكاتبة نشأت في ظلّ يقين عقيدة والديها الماركسيين، في حين تلهّفت بطلة «عظام النعمة» الصادرة عن «كاننغيت» الى يقين أهلها أزاء العالم ولم تنله. لا تعرف زبيدة شيئاً عن والديها الطبيعيين، وتخجل من كونها متبناة في محيط أسرتها الثرية في داكا، بنغلادش. تتعرّف في حفل لشوستاكوفيتش الى الموسيقي إلايجا سترونغ، الجميل كرسم، ويقع كلاهما في الحب فوراً. تتركه بعد أيام لتشارك في حفر في باكستان بحثاً عن «الحوت السائر»، لكنها تفاجأ بالعنف الطائفي واقتحام الجنود الموقع ليضربوا زميلاً انتمى والداه الى المعارضة ويعتقلوه. تعود مصدومة الى داكا وهي تفكر أنه قد يكون قُتل، وتوافق على الزواج من حبيب طفولتها رشيد تحت ضغط الواجب. تجهض بعد أشهر، وتترك زواجها العليل في العاصمة المترفة الى حوض كيتاكونغ البائسة لتشرف على تفكيك سفينة، وتفكر في أصلها الضائع وافتقارها الجريح الى الانتماء. تكتب زبيدة الرواية في شكل رسالة إلى إلايجا لتبرّر تحطيمها قلبه. حياتها بدأت بحياتها، تقول، خلافاً له، ببيته المعطّر بالبابونج، هرّته السمينة، الليمونادة في البرّاد و»شجرة العائلة المهيبة، لا دم غامضاً فيها ولا ثورات». تدرك أن والديها يتساءلان إذا أحبّت البلاد مثلهما، ولئن افتخرت بقتالهما في حرب الاستقلال، افتقرت الى الشجاعة لتصارحهما أن بنغلادش لم تعنِ الحب. كانت واجباً نحو الجذور، لكنها رأت مستقبلها خارجها. في ربيع 2013 نشرت أنَم قصة «أنور ينال كل شيء» في مجلة غرانتا التي أوردتها بين أفضل الروائيين البريطانيين دون الأربعين. أضافت أنور الى «عظام النعمة» وقالت زبيدة في الصفحة 125 إن سرّه سرّها، وإنه أضاء عتمة ماضيها. عمل أنور في دبي حيث نظف نوافذ ناطحات السحاب من دون إجراءات السلامة، وناقض المخيم المكتظّ الذي عاش فيه المراكز التجارية المتخمة بسلع لا يستطيع شراءها. شعر أنه خفي، وأنه نملة، وحاول التمسك بنزر من إنسانيته بذكرى حبيبته التي هجرها، ومسؤوليته تجاه ثمرة علاقتهما. حين عاد للبحث عنها عرف إنها قد تكون في دار بغاء. ولدت أنم في 1975 في داكا، وعمل والدها الصحافي الماركسي مع اليونيسف. عاشت في باريس ونيويورك وبانغكوك قبل أن تتزوج الموسيقي الأميركي رونالد لام وتستقر في لندن. نهاية ملائمة تنتهي رواية ك. إ. مورغن الثانية ببيت يحترق في نهاية ملائمة للقيم البائدة التي تتناولها. «رياضة الملوك» الصادرة عن «فورث إستيت» تلعب على تشابه كلمتي «سباق» و»عنصرية» في رصدها أسرة فورج القديمة التي تعود إلى مستوطني كنتاكي الأوائل. جون هنري فورج مزارع طاغية عنصري هاجسه حفظ اسم العائلة ونقائها. يُخرج ابنه هنري من المدرسة في نهاية الخمسينات لينقذه من خطر الاختلاط العرقي، ويريده نسخة عنه. «لا أحد أضعف من رجل يملك كل ما يمكن أن يخسره. لا تخيّبني». يحب هنري والدته الجميلة الصمّاء، ويكره والده ويخشاه. يرغب هنري في تربية الخيل في مزرعة العائلة، لكن الأب يرى المشروع محاولة رخيصة لنيل الكرامة، ويهدّد بألا يموت. حين يفعل يقتلع هنري الذرة، ويشتري جواده الأصيل الأول. يحتفظ بطفلته هنرييتا بعد طلاقه، ويضخّ فيها صفاء النسب كما فعل والده. حين تقول هنرييتا في المدرسة إن السود زنوج يؤنّبها مدرّس، ويُحضر والدها المعلمين الى البيت ليجنّبها ضرر التعليم المختلط عرقياً. ترث هنرييتا تمرّد والدها القديم، وتوظّف أولمن شونيسي المختلط العرق سائساً ثم تجعله عشيقها، فتقترب المأساة من البيت. كان والده الإرلندي هجره ووالدته السوداء المريضة، وتركهما يصارعان الفقر. يبيع المخدرات ليوفّر الطبابة لوالدته، وحين يسرق سيارة تعثر الشرطة على مخدرات معه فيسجن ستة أعوام. يتعلّم رعاية الخيل في الإصلاحية، ويكتشف أنه من سلالة عبد على مزرعة آل فورج الأوائل. تنتهي الرواية قبل انتخاب باراك أوباما رئيساً، لكن شونيسي يشير الى الاحتمال ولا يتفاءل حياله. لن يملك بيتاً أو يحصل على وظيفة جيدة أو يحمل سلاحاً يدافع به عن نفسه ضد أبيض متعصب أو يشارك في لجنة محلفين ليساعد أسود مثله على البقاء خارج السجن. لا يؤثر التمييز العنصري في فارس سباق أسود مثلي يهمّشه عِرقه وميله الجنسي، ويرغب في الانتقام مع أنه يؤمن أن لا تاريخ شخصياً له. روبن بدفرد ووكر الثالث يكذب، يزوّر، يحتقر الأسرة، النظام والآخرين، ويقول إنه لم يولد من أم بل حمِل هو بنفسه اللعينة. بغيض، بلا أخلاق، لكنه لا يدع شيئاً يوقفه، وفاز في سباق لوريل فيوتشوريتي بعد أن طارت حدوة حصان وكسرت أنفه. يذكر أن سباق الخيل كان أول مهنة فُتحت في وجه السود، وكان هؤلاء 13 من أصل 15، بمن فيهم الفائز، في السباق الأول في كنتاكي. سياسة التمييز وعنصرية الفرسان البيض طردتهم من الرياضة حتى باتوا اليوم خمسة في المئة. كتبت كاثرين إيلين مورغن في روايتها الأولى «كل الأحياء» عن عازفة بيانو محبَطة فقدت أهلها في الثالثة، وصديقها الذي توفّي والده شاباً، وقُتلت والدته وشقيقه في حادث سيارة. عاشا في المزرعة المهمَلة التي ورثها، وجهد أورين للحفاظ عليها في موجة الجفاف فيما عزفت ألوما في الكنيسة القريبة. كافحت لتتعلّم الطبخ والتنظيف والتكيّف مع الحب، وفكرت أن الفوارق بينهما تصنع شخصاً كاملاً. بعد اليتم تتناول مورغن العائلة، ولا تجد خلاصاً في أي منهما. الشعر في الرأس قال سلمان رشدي في مهرجان هاي الأدبي إن على التلامذة أن يعودوا الى حفظ الأشعار الشهيرة غيباً لكي يُغنوا علاقتهم باللغة. لا يزال الكاتب البريطاني الأسيوي يحفظ ويتلو غيباً «الفظّ والنجار» التي كتبها لويس كارول من أكثر من مئة سطر صغير، لكن حفظ الأعمال الأدبية بات فناً مفقوداً. بعض أفراد جيله، مثل مارتن آميس والراحل كريستوفر هِتشينز، يحمل في رأسه كمية هائلة من الشعر، وإذا قلت لهم:»بايرن» مثلاً يتلون عشرين دقيقة من شعره. «أحسد تلك القدرة على التحرك وأنت تحمل كل ذلك في رأسك». كلا ولديه، ظفار وميلان، تعلّم في مدرسة خاصة في شمال لندن لم تطلب منهم حفظ الأدب غيباً مع أنه تمرين بسيط يُغني متعة الشعر والعلاقة مع اللغة، ويبقى مع الفرد الى الأبد. ذكر غريغوري دوران، مدير فرقة شكسبير الملكية، في المهرجان نفسه أنه يحتاج الى خمسة أو عشر دقائق ليعتاد لغة الكاتب مع أنه حقّق ثلاثة أرباعها وشاهدها كلها بضع مرات. طلب من حضور المهرجان ألا يستسلموا أو يقلقوا إن لم يفهموا كل كلمة من مسرحيات شكسبير المكتوبة منذ أكثر من أربعمئة عام. انتقد ميل بعضهم الى عصرنة بعض الكلمات، ورأى أن المعنى ليس كل شيء. نقدّم أعمال شكسبير منذ أربعة قرون ما يعني أنه لا يزال رائجاً. دعت الكاتبة فاي ولدن في المهرجان الى تقديم النضال النسوي على ذلك العنصري لأنها رأت أن المساواة بين الجنسين تحلّ سائر المشاكل. طلبت من المسلمات أن يثرن، وقالت إن على البريطانيات مساعدة سائر النساء في العالم بمن فيهن المسلمات العاجزات عن العيش بحرية أو التعبير عن أفكارهن رداً على نسويات يعتقدن بأن ثمة تعالياً في إيمان الغربيات أن عليهن قيادة التحرك النسوي داخل بلدانهن وخارجها.