لم تعد الأعمال التعبدية التي يقوم بها الصائم بينه وبين ربه كما كانت عليه، ليدخل طرف ثالث في هذه المعادلة لتتغير إلى بينه وبين ربه وبين السيلفي والناس، فكاميرا الجوال أصبحت المرافق المسؤول عن توثيق تفاصيل اليوم الرمضاني لصائمين وجدوا أنفسهم مقيدين بتكنولوجيا العصر، التي حولت هذا الشهر الكريم إلى صبغة حديثة بعيدة عن البساطة، بل وسحبت مواقع التواصل الاجتماعي البساط من تحت أقدام عادات رمضانية عدة من أبرزها الزيارات الاجتماعية والجلسات الرمضانية، التي تزدحم فيها الحكايات والذكريات. بزيارة واحدة لتطبيقات تواصل اجتماعي عدة ومن أبرزها «السناب»، ستجد ما يندى له الجبين صائم يوثق لحظات وضوئه، وآخر دخوله المبارك للمسجد، ليتعداهما مصلٍّ أراد أن يشاركه متابعوه لحظات خشوعه ودعائه، وآخر وهو يحمل أطباق «رمضانية» للجيران والأهل، ويشرح مبتسماً «أحمل أطباق متنوعة لجاري الفقير، قوموا بمثل هذا العمل لتؤجروا»، متناسياً أن المنة والتشهير حولتا عمل الخير الذي يقوم به إلى عمل فاضح مشين، تقبله تطبيق «السناب» لكن «المنة والرياء» محقته. المضحك المبكي ما قام به موظف في إحدى الجمعيات الخيرية الأهلية في إحدى القرى حين وثق في حساب جمعيته في «السناب» مشروع إفطار الأسر المحتاجة، مظهراً نشاط موظفيه في حمل المواد الغذائية إلى منازل شعبية متهالكة، ليتعداه ويأخذ أراء مستفيدين ومواطنين في هذا المشروع الخيري الذي قام في الليل حفاظاً على مشاعر هذه الأسر، لكن سمح بنشره في تطبيق «السناب» وهذا كله حتى «لا تدري يدك اليسرى ما قدمت يدك اليمنى»، المفارقة مضحكة مبكية لكنها واقع فرض على حياتنا اليومية. أفكر كثيراً وأتساءل أكثر: «ماذا لو خرجت فتاوى تمنع استخدام الجوال وتطبيقاته في أعمال هذا الشهر؟»، من باب الابتعاد عن السمعة والرياء والنفاق وفضح الناس، و«ماذا لو منعت مساجد دخول مصلين بأجهزة الجوال؟»، فعليك أن تضعه حيث تضع حذاءك، وماذا بعد إشراك تطبيقات التواصل الاجتماعي في تفاصيل هذا الشهر الكريم، ما الذي ينتظرنا في السنوات المقبلة؟ هل ستتحول منازلنا وحياتنا اليومية إلى برامج واقع لا تنام وتنقل تفاصيل التفاصيل، إنه أمر يدعو للقلق حقاً. قالها لي أحد كبار السن ذات مرة، «سرقت تطورات الحياة منا الحياة»، والآن عرفت ما كان يرمي إليه، فلم تعد تفاصيل اليوم الرمضاني بذات الألوان، حتى أننا أصبحنا نشم رائحة الطعام من خلال «السناب»، فهو شريك رئيس في إعداد موائد الإفطار، والسؤال الذي أردت أن أختم به، «ماذا لو عشنا رمضان من دون برامج تواصل اجتماعي؟ ما الذي سنكسب وماذا سنفقد؟».