يجد الباحث الشرعي أحمد بن قاسم الغامدي لرمضان طابعاً خاصاً في العبادات ونمط الحياة اليومية الخاصة والعامة، لحرص الناس خلاله على الاجتماع في أمور كثيرة، ومشاركة الصغار الكبار الاحتفاء به، وهو بلا شك، بحسب الغامدي، مليء بالذكريات، أجملها في ذاكرته وهو صغير، مع والدته وأجداده في القرية، ومع والده رحمه الله في سنوات الشباب. تعامله خلال الشهر الفضيل مع أسرته، ورأيه في كثير من القضايا التي طرحت أمامه، يكشف عنها الغامدي، من خلال الحوار الآتي: ما هي طقوسك اليومية خلال الشهر الفضيل؟ - ليست هناك طقوس معينة أقوم بها، لكنني أحرص قدر الإمكان على مشاركة أبنائي تلاوة القرآن قبل وقت الإفطار، ثم متابعة التلفاز مع عائلتي، والانصراف بعد ذلك لأداء صلاة العشاء، قبل العودة إلى المنزل والانشغال بالقراءة والمراجعة وكتابة المقالات واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. هل تتذكر أول مرة صمت فيها؟ - أتذكر ذلك اليوم، كنت في سن الخامسة، وقتها اشتد جوعي وعرضت عليّ والدتي الطعام، لكنني رفضت، حرصاً على مشاركة الكبار مائدة إفطارهم. من تفتقد على مائدة الإفطار؟ - أفتقد أبنائي الكبار الذين استقروا في بيوتهم بعد زواجهم، وأفتقد والدي وجدي رحمهما الله، فمعهما كانت أعمق الذكريات في صغري وشبابي. برنامج تلفزيوني مرتبط في ذاكرتك برمضان؟ - برنامج «على مائدة الإفطار» للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله. العمل في رمضان، كيف ترى فائدته؟ - أنا متقاعد حالياً، ولكنني جرّبت العمل في هذا الشهر، هو فوائده كثيرة، وبالتأكيد، فإن الدوام في نهار رمضان أفضل من قضائه في النوم والراحة. لو افترضنا أنه يمكنك دعوة ستة أشخاص إلى مائدة إفطارك، من تدعو؟ - الذين أتشرف بدعوتهم كثر، لكن التزاماً بالعدد فإنني سأدعو خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن. النقد اللاذع من الدراما التلفزيونية خلال رمضان لبعض ظواهر المجتمع هل تؤيده؟ - نعم أؤيد ذلك جداً، لكنني أرى أنه ما زال هناك قصور من حيث استيعاب كل التفاصيل بسيناريو أدق لتعكس الدراما الصورة الكاملة لحياة الناس، وبالتالي إحداث تغيير إلى الأفضل. هل يمكن أن يساعد رمضان في التخفيف من حدة الخلاف الفكري بين الناس ويوطن ثقافة التعايش؟ - في نظري أن رمضان موسم يجمع الناس على كثير من مظاهر الخير والصلة والعبادة، ويخفف حدة الخلاف عند شريحة كبيرة منهم بلا شك، ويفتح آفاق توطين التعايش بالتسامح ورأب الصدع، لما له من قيمة معنوية كبيرة في النفوس. كيف تجد مشروع تنظيم عمل «هيئة الأمر بالمعروف»؟ - تنظيم عمل الهيئة الجديد قرار حكيم، فيه تحديد لاختصاصها ومهماتها بشكل يحقق المصلحة العامة، وخصوصاً أن إمكانات رجال الهيئة وقدراتهم لا تقارن بالجهات الأخرى المختصة في الضبط نظرياً وعملياً، والمسؤولية المناطة برجال الهيئة تقتضي أن تكون رسالة رجل الهيئة رسالة نصح وتوجيه تقوم على الرفق واللين والتذكير بالحسنى، وهذا التنظيم سيوطد علاقة الهيئة بالمجتمع وعلاقة المجتمع بها وسيسهم في رسم صورة ناصعة صحيحة عنها. حصل لغط مع فتوى جديدة بتحليل بعض الموسيقى كما هي الحال مع فتوى الحجاب وقيادة المرأة للسيارة.. هل الامتناع شرعي أم اجتماعي؟ وكيف استطاع المحذور الشرعي أن يغلب المنطق الشرعي المدعوم بأدلته؟ - القول بأن بعض الموسيقى في ذاتها جائزة وبعضها غير جائزة فيه تناقض لأن من حرّم شيئاً منها استناداً لما روي في ذمها، لزمه أن يحرمها كلها لأن روايات الذم عامة وليس فيها تفصيل، ومن حرّم الموسيقى لما يصاحبها من كلام أو مظاهر لا تجوز فقد حرم مباحاً لمحرم صاحبها، وهذا خلط يتولد عنه لبس بتحريم مباح، ولعل هذا الخلل وقع قائله بقصد إصلاح السلوكيات المخالفة أكثر من كونه بياناً لحكم الموسيقى فغلب القصد التربوي، حتى لا يؤثم الناس في مسألة وقع فيها خلاف من جهة وحتى لا يتجرأ الناس على التوسع في السماع والوقوع في صور مذمومة منه من جهة أخرى. والخلاف في حكم المعازف قديم معروف، أما الكلام والأفعال المصاحبة لها فإن كانت محرمة فهي محرمة لذاتها، سواءً صاحبها موسيقى أم لا، ومن الخلط إقحامها في الخلاف الواقع في حكم المعازف. أما سبب الامتناع المشار إليه في السؤال فيعود في الأصل في نظري إلى تكريس الرأي القائل بالتحريم والتعصب لذلك الرأي وعدم التحلي بأدب البحث والحوار على كل المستويات، وهذا ولّد بلا شك تأجيج شريحة من المجتمع من دون تأمل للرأي الآخر وأدلته، ولذلك استطاع الخوف من المحذور الشرعي أن يغلب المنطق الشرعي المدعوم بأدلته، مع أن الواقع يشهد بأن كل ذلك واقع على المستوى النظري، أما في الواقع فالموسيقى موجودة في أكثر مجالات الحياة والناس يتعاطون معها بغير توتر أو انفعال، ولعل المخزون الفكري في اللاوعي لدى الناس يتحول في هذه المسألة إلى صورة إيجابية، وذلك إذا أخذت الجهات المعنية بالإباحة المعتدلة فيها بإقرار ما يناسب الذوق العام منها في المجال العام بعيداً عن المظاهر المخلة والمذمومة، فالموسيقى من الفنون الإنسانية الراقية التي يمكن الاستفادة منها كرافد لتهذب السلوك والأخلاق والقيم والبناء. «رؤية 2030» أطلقت منظومة عمل كبيرة.. هل تعتقد أنها ستواجه عقبات تحد من جدواها وأثرها؟ - رؤية المملكة 2030 بشرى خير، وكنا نؤمل بأكثر من ذلك، ولكن أول الغيث قطرة كما يقال، وهذه الرؤية تتطلب وضع أهدافها والتخطيط لتحقيقها بكل عزم، ولا بد أن يعلم أن كل تغيير تصحبه ممانعة، فالتغيير والممانعة متلازمان في كل مجتمع لاحتمال اختلاف وجهات النظر، أو لانتفاع آخرين ببقاء الحال على ما هي عليه، أو لأغراض أسوأ أو دوافع كراهية وحسد لمن يتولى هذا التغيير، وهذا شيء متوقع والمطلوب أن تكون هناك عزيمة قوية لا تلتفت لتلك. برأيك.. هل ما زالت «السرورية» تتنفس في جسد المجتمع؟ - هذه الجماعة المؤدلجة وأمثالها داء خطر وسرطان كامن في نسيج المجتمع، وبلا شك ما زالوا، ولكنهم لن يظهروا أنفسهم إلا في أحوال الاصطياد التي يظنون أنها لمصلحتهم وهذا ملاحظ في كثير من الأحداث التي كشفت أفكارهم وتوجهاتهم. هم أخذوا وقتاً طويلاً وتغلغلوا في نفوس الناس وسيطروا على مصالحهم وتمددوا في جسد المجتمع واستحوذوا عليهم وعلى عقولهم بكثير من الأمور. ظلوا يعملون ليل نهار لعقود من الزمن من خلال البرامج والأعمال والمنابر والرموز والروابط الفكرية الخفية التي اتخذت الدين لبوساً فخدع بهم الكثيرون، وهؤلاء أصحاب معتقد والمعتقد أصعب الأمور التي يمكن تغييرها، فلن ينفضوا عن مشروعهم ولن ينفض من حولهم بيسر وسهولة حتى المخدوعون من أبناء المجتمع وشبابه في حاجة ماسة إلى الكثير من العمل والوقت لتصحيح مسار المجتمع كأغلبية، ولا بد من الحذر كل الحذر من ملمسهم الناعم وتقيتهم التي استولوا بها على معظم المنافذ وسيطروا بها على المجتمع.