يعيد حلول شهر رمضان المبارك الذكريات الجميلة، التي تمتد إلى أيام الطفولة، المرتبطة بعادات اجتماعية قيمة، تعاقبت على ممارستها الأجيال السابقة كل عام، إلا أن هذه العادات أصبحت في الوقت الحالي مجرد موروثات شعبية تضاف إلى قائمة التراث المجتمعي، لتشاهد في الفضائيات أو المهرجانات الثقافية والتراثية. فعادات الشهر الفضيل القديمة ذات القيم الاجتماعية الكبيرة، حل بها ما حل بما سبقها من الموروثات الشعبية، لتكون ضحية التطور التقني وطابع الحياة العصري، فبعد عشرات السنين من توارثها والحفاظ عليها اندثر معظمها واستبدل بعادات جديدة تناسب متطلبات العصر الحالي. وعلى رغم سيطرة الحياة التقنية على عادات رمضان الجديدة فإن الشهر الفضيل مازال يحتفظ بطابعه الاجتماعي الخاص، إذ استبدلت المجتمعات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، العادات القديمة بعادات حديثة تناسب تطورات الحياة، وتحل محل العادات السابقة التي عشناها في طفولتنا، على رغم اختلاف الطرق والوسائل. شهدت بداية التغيير في تحول شكل ومضمون طريقة التهنئة بحلول الشهر المبارك عن السابق، التي كانت تتمثل بتبادل الزيارة بين الأقارب والجيران في الليالي الأولى من الشهر، واستبدلت هذه الأيام برسائل المجموعات النصية عبر تطبيقات الاتصال المتعددة، أما التغيير الذي حصل في مائدة إفطار الحي، التي يشترك فيها أهالي الحي بإعداد وجبات متنوعة ليفطروا معاً على مائدة واحدة، استبدلت هذه الأيام بوضع إعجاب على ما ينشر من صور للطعام في مواقع التواصل الاجتماعي! وشمل التغيير مدفع رمضان، أو مدفع الصيام، الذي يعرّفه الموقع الشهير ويكبيديا ب«أسلوب إعلان قدوم الشهر الكريم»، إضافة إلى إعلان موعد الإفطار، وكان هذا التقليد متبعاً في دول إسلامية عدة، إذ تطلق قذيفة مدفعية صوتية، لتعلن دخول وقت المغرب، لتستبدل هذه الأيام بالأذان عبر التلفاز أو المذياع، أما غياب «المسحراتي» من شوارعنا، وهو الشخص المكلف بإيقاظ النائمين بالتهليلات والأناشيد الدينية، والضرب على الطبل حتى يستيقظ النائمون ويتناولوا سحورهم، فكان خيبة أمل للأجيال التي عايشت تلك العادات. أما صحن رمضان، أو ما يسمى عند بعض المناطق العربية ب«السكبة»، إحدى تلك العادات الرمضانية الأبرز سابقاً، إذ كانت الأسر تتسابق قبيل أذان المغرب في إرسال جزء من طعام إفطارهم للجيران، وتوكل المهمة إلى أطفال المنزل، إلا أن هذه العادة غدت شبه غائبة بسبب الرسميات بين الجيران في معظم المناطق، وعلى رغم ذلك فإنها ماتزال موجودة في بعض الأحياء الشعبية. ويعد غياب أهم العادات الحجازية، التي تتمثل بتبخير الأكواب ب«المستكة» قبل أذان المغرب، لحفظ رائحة الأكواب زكية، دليلاً على التغيير الحاصل هذه الأيام بسبب التقنية وتطورها، وتحول الناس عن العادات القديمة، بالانشغال في متابعة البرامج التلفزيونية، والأجهزة اللوحية.