أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لهيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية    رودر فين أتيلين تطلق هويتها التجارية الجديدة للارتقاء بعروضها الإقليمية والعالمية    وزارة التعليم تبدأ بالأحساء لعرض 48 تجربة متميزة في مدارس المملكة    أمانة الشرقية تبدأ أعمال الصيانة لطريق الظهران – بقيق السبت المقبل    مكافحة المخدرات تقبض على شخصين بمنطقة جازان لترويجهما (11.7) كلجم من مادة الحشيش المخدر    "ڤايبز العُلا" يعلن بدء التسجيل في معسكر رواد العُلا للحِرفيين    التجارة: تنامي السجلات التجارية المُصدرة بنسبة 48%    الذهب يرتفع 2% وسط تراجع الدولار ودخول رسوم جمركية أمريكية حيز التنفيذ    وفد سعودي يستعرض تجربة المملكة في سلامة المنتجات مع المصنعين والمصدرين في سنغافورة    مهرجان كلنا الخفجي يستقطب أكثر من 52 ألف زائر خلال أيامه الاولى    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025    "الرياض آرت" يثري المشهد الفني ضمن أسبوع فنّ الرياض    تصعيد الحوثيين لهجماتهم يُهدد الأمن الإقليمي    غوتيريش يؤكد إعاقة إسرائيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة    الفوتوغرافي السعودي محمد محتسب يُتوَّج بلقب ZEUS    شدد على منع امتلاك النووي.. ترامب: محادثات مباشرة بين أمريكا وإيران    هواتف بلا "واتساب" في مايو المقبل    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (2-3)    وزير الخارجية يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية    في ذهاب نصف نهائي أبطال آسيا 2.. التعاون يهزم الشارقة الإماراتي ويضع قدماً في النهائي    في ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه دورتموند.. وباريس يخشى مفاجآت أستون فيلا    "الفطرية": ولادة خمس غزلان ريم في" الواحة العالمية"    في إنجاز عالمي جديد يضاف لسجل تفوقها.. السعودية تتصدر مؤشر تمكين المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي    «القمر الدموي».. خسوف كلي يُشاهد من معظم القارات    10 أيام على انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية    "الموارد": "الفرع الافتراضي" خفض الزيارات الحضورية 93 %    السعودية رائدة في مجال المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية    الديوان الملكي: وفاة الأمير عبدالله بن مساعد آل عبدالرحمن    وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز التعاون العسكري    جازان تودّع شيخ قبيلة النجامية بحزن عميق    أمير جازان يرأس اجتماع لجنة الدفاع المدني الرئيسية بالمنطقة    هدوء رونالدو وحماس بنزيما.. الهلال في مهب الريح    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في يومي الصحة والتوحد العالمي    صحيفة الرأي توقّع عقد شراكة مع نادي الثقافة والفنون    إنجاز طبي سعودي.. استئصال ورم في الجمجمة بالمنظار    تقلب المزاج.. الوراثة سبب والاتزان النفسي علاج    ديربي حائل بشعار الصعود.. العين يلتقي أحد.. الجندل يواجه العدالة    6 أندية ترافق الخليج والهدى إلى ربع نهائي كأس اتحاد اليد    بجوائز تتجاوز 24 مليون يورو.. انطلاق "جولة الرياض" ضمن جولات الجياد العربية    NASA تعجز عن إرسال رحلة للمريخ    تمير من سدير يا جمهور الهلال!    باقي من الماضي والآثار تذكار    سلوكيات بريئة تشكك بالخيانة    رحلة آمنة    مسبار يستقر في الفضاء بنجاح    التصوير بالرنين المغناطيسي يضر الجسم    عودة الذئب الرهيب بعد 10000 عام    الشعور بالجوع يعيد تشكيل الخلايا المناعية    روسيا: مستقبل الحد من الأسلحة النووية.. يعتمد على الثقة    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنتسبي إمارة تبوك بمناسبة العيد    الأهلي المصري يكرر فوزه على الهلال السوداني ويتأهل إلى نصف نهائي «أبطال أفريقيا»    أمير المدينة يلتقي قائد أمن المنشآت    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    أمير منطقة تبوك يستقبل وكلاء ومنسوبي الامارة بمناسبة عيد الفطر    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العسكريون القدامى لا يموتون أبداً!
نشر في الحياة يوم 04 - 07 - 2010

حين تابعت بدقة قرار الرئيس أوباما عزل قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال وأصداء هذا القرار، قفزت إلى ذهني مباشرة قصة أميركية مشابهة، تتمثل في قرار الرئيس ترومان عزل الجنرال دوغلاس ماكارثر في 11 نيسان (أبريل) عام 1951. وقبل أن نخوض في السجلات التاريخية التي تتضمن أسرار الخلاف الحاد الذي نشأ بين الرئيس الأميركي هاري ترومان والجنرال ماكارثر، والذي انتهى بعزله، علينا أولاً أن نوجز الوقائع التي أدت بالرئيس أوباما إلى إقالة الجنرال ماكريستال.
صحافي أميركي هو مايكل هاستينغز رافق لأسابيع الجنرال ماكريستال وأعضاء قيادته العسكرية، ونشر مقالاً في مجلة «رولنغ ستون» عن خلاصة الأحاديث التي أدلى بها الجنرال ماكريستال والتي تناول فيها بسخرية شديدة الرئيس أوباما نفسه وأركان إدارته.
قال ماكريستال إن مقابلته للرئيس أوباما في البيت الأبيض لم تستمر إلا لمدة عشر دقائق التقطت فيها الصور، وذكر أنه يبدو أن أوباما لم يكن يعرف من هو الجنرال ماكريستال بالقدر الكافي، وكان متردداً وخائفاً في ما يتعلق باستراتيجية الحرب في أفغانستان. أما نائب الرئيس بايدن فقد سخر منه كريستال وتساءل هل اسمه بايدن أم اسمه الحقيقي «بيت مي» (bit me) أي عضّني! ووصف مستشار الأمن القومي الأميركي بأنه مهرج! ولم يترك أحداً في إدارة أوباما من دون أن يصفه بأوصاف ساخرة!
وقد أدى نشر المقال إلى ضجة كبرى في البيت الأبيض، واستدعي الجنرال ماكريستال إلى واشنطن، حيث أخبر بأنه أقيل من منصبه، وعين بدلاً منه الجنرال ديفيد بترايوس الذى كان قائداً للقوات الأميركية في العراق.
أثار قرار الرئيس أوباما عزل الجنرال ماكريستال مشكلات متعددة. لعل أهمها على الإطلاق طبيعة العلاقة بين المدنيين والعسكريين في الدولة الديموقراطية. وهناك مشكلة أخرى أثيرت تتعلق بمدى مخالفة الصحافي الذي كتب المقال الذي تضمن ضروب السخرية القاتلة من أوباما وأركان إدارته، للقواعد الصحافية المهنية. وقد أثير هذا الموضوع واختلفت الآراء بصدده، على أساس أن الصحافي سجل الأحاديث ولم يلفت أحد من قيادة الجنرال ماكريستال نظره الى أنها لا ينبغي أن تنشر، بالإضافة إلى أن رئيس التحرير التنفيذي لمجلة «رولينغ ستون» تحقق من صدق الأقوال التي وردت في المقال.
والواقع أنه صيغت تفسيرات شتى لتفسير مسلك الجنرال ماكريستال، فهو من كبار قادة الجيش الأميركي، ولا تفوته معرفة القاعدة الذهبية التي تحكم علاقة القيادات السياسية بالقيادات العسكرية، وضرورة خضوع القيادات الأخيرة للتوجيهات السياسية، وخصوصاً توجيهات الرئيس الأميركي بحكم وضعه الدستوري، وكونه قائداً أعلى للقوات المسلحة.
التفسير الأول يقول أن تصريحات الجنرال ماكريستال تعبير عن يأسه المطلق من الانتصار على «طالبان» في أفغانستان. ونحن نعرف أن ماكريستال عين قائداً للقوات الأميركية في أفغانستان بحكم أنه كان قائداً للقوات الخاصة التي قيل أنها لعبت دوراً أساسياً في القضاء على الجماعات الإرهابية في العراق، وكي يتلافى الفشل العسكري في أفغانستان. غير أنه سارع عقب تولي الرئيس أوباما منصبه الى طلب إرسال ثمانين ألف جندي إلى أفغانستان، لتقوية الوجود العسكري هناك، وتطبيق استراتيجية عسكرية تكفل القضاء على «طالبان».
تردد الرئيس أوباما لأسباب عدة، أهمها أن الرأي العام الداخلي ازدادت معارضته للحرب في أفغانستان على أساس أنها حرب مكلفة وأدت إلى تضحيات جسيمة، وليس لها هدف محدد يمكن تحقيقه. ومن ناحية أخرى يبدو أن الرئيس أوباما خشي أن ينزلق في المستنقع الأفغاني، كما سبق للرئيس السابق بوش أن غرق في المغامرة العسكرية الأميركية الحمقاء في العراق!
والسبب الثالث أنه سبق له أن وعد بسحب القوات المسلحة الأميركية من أفغانستان بغض النظر عن النتائج على الأرض، وذلك بحلول تموز (يوليو) 2011.
لم يرض الجنرال ماكريستال عن تأخر الرئيس أوباما في اتخاذ قراره، ويبدو – من كثير من الشواهد – أنه أراد تبرئة صفحته إذا لم يحقق إنجازاً عسكرياً ضد «طالبان»، على أساس أن الرئيس أوباما لم يستجب لطلبه إرسال ثمانين ألف جندي جديد، واكتفى بأن أرسل له ثلاثين ألف جندي فقط!
وهناك تفسير آخر قد يكون مغالياً بعض الشيء، يذهب إلى أن الجنرال ماكريستال بعد أن نشرت سخريته اللاذعة من كل أركان إدارة أوباما، كان يعلم سلفاً أن الحادثة لن تمر، وأن هناك احتمالاً بأن يُقال، وأنه خطط لذلك متعمداً حتى لا يتحمل عبء الهزيمة الحتمية للقوات المسلحة الأميركية في أفغانستان، والتي لا بد لها من أن تنتهي بانسحاب مهين، سيكون مماثلاً للانسحاب الأميركي من فيتنام، والذي مثل فضيحة كبرى لسمعة الجيش الأميركي!
لو كان هذا التفسير صحيحاً فمعنى ذلك أن هذا المسلك على رغم غرابته يعد اعترافاً صريحاً من الجنرال ماكريستال بأن الهزيمة قد وقعت بالفعل، بحكم سيطرة «طالبان» على ثلاثة أرباع الأقاليم الأفغانية، وعدم قدرة القوات المسلحة الأميركية والمتحالفة على القضاء عليها.
وكما ذكرنا في صدر المقال فان إقالة الرئيس أوباما للجنرال ماكريستال تشبه إلى حد مدهش واقعة إقالة الرئيس هاري ترومان للجنرال دوغلاس ماكارثر عام 1951، إبان الحرب الكورية التي اشتعلت بين كوريا الجنوبية المدعومة أميركياً وكوريا الشمالية المدعومة صينياً.
والجنرال ماكارثر من أشهر قادة الجيش الأميركي، ولد في 26 كانون الثاني (يناير) 1880 وتوفي عن أربعة وثمانين عاماً في 5 نيسان 1964. كان جنرالاً في الجيش الأميركي والفيلد مارشال للجيش الفيليبيني ورئيس أركان القوات الأميركية في الثلاثينيات، ولعب دوراً رئيسياً في مسرح الحرب في المحيط الهادئ أثناء الحرب العالمية الثانية.
للجنرال ماكارثر تاريخ عسكري حافل، وفي 29 آب (أغسطس) 1945 كلف باعتباره حاكماً عسكرياً لليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية أن يشرف على إعادة بناء المجتمع الياباني على أسس ديموقراطية، والقضاء على النزعة العسكرية التي تسوده. وقام بمهمته من عام 1945 إلى عام 1948، وأشرف على صياغة دستور ياباني جديد عام 1946 سحب من الإمبراطور سلطاته العسكرية. وطبق الدستور الجديد في 3 أيار (مايو) 1947، وأصبح الإمبراطور منصباً شرفياً. وفي حزيران (يونيو) 1950 بعد أن غزت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية عين الجنرال ماكارثر قائداً لقوات الأمم المتحدة المسؤولة عن الدفاع عن كوريا الجنوبية.
وقاد الجنرال هجوماً ناجحاً في أنشون ابتداء من 15 أيلول (سبتمبر) 1950 اعتبر بعده بطلاً مغواراً. غير أن المفارقة أنه بعد سبعة شهور فقط في 11 نيسان 1951 أقاله الرئيس هاري ترومان عقاباً له لأنه أدلى بتصريحات علنية تناقض السياسات الرسمية لحكومة الولايات المتحدة، وبخاصة في ما يتعلق بتعليمات ترومان بعدم إدلاء القادة العسكريين بتصريحات صحافية. وأثارت إقالته خلافات بالغة الحدة في صفوف النخبة السياسية الأميركية، باعتبار أنه كان يعتبر بطلاً قومياً بحكم تاريخه العسكري الباهر.
ولعل هذا هو الذي دعا البنتاغون إلى أن يصدر تصريحاً موجهاً الى الرأي العام في 19 نيسان 1954 جاء فيه أن قرار الرئيس ترومان عزل الجنرال ماكارثر بني على أساس توصيات من المستشارين المدنيين والعسكريين للرئيس بمن فيهم رؤساء الأركان، وشهد وزير الدفاع جورج مارشال في جلسة الاستماع التي عقدت في الكونغرس في أيار 1951 وجاء في شهادته أن قرار الرئيس ترومان عزل الجنرال ماكارثر قام على أساس توصيات بالإجماع من المستشارين المدنيين والعسكريين للرئيس، وأضاف أن عزله يعود إلى التصريحات غير المسبوقة لقائد عسكري يظهر فيها اعتراضه على السياسة الخارجية والعسكرية للولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى انحاز السناتور روبرت ثافت الى الجنرال في مقالة نشرها في «شيكاغو تريبيون» دعا فيها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للبدء في عزل الرئيس ترومان من منصبه لأنه بقراره عزل الجنرال ماكارثر كان متعجلاً، مما يدل على أنه لا يصلح للمنصب.
عاد الجنرال ماكارثر إلى وطنه بعد قرار العزل ونظمت له استقبالات جماهيرية، ودُعي الى جلسات استماع في الكونغرس لسماع وجهة نظره، بدأها بعبارة شهيرة تدل على مدى عنجهيته العسكرية، وهي تلك التي اقتبسناها كعنوان للمقال: العسكريون القدامى لا يموتون أبداً!
غير أن قصة العلاقات المعقدة بين المدنيين والعسكريين في الدول الديموقراطية تحتاج على سبيل القطع إلى معالجات مستقلة، لأنها إشكالية تواجه المجتمعات المعاصرة كافة!
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.