جميل جداً أن يكون الإنسان موهوباً بفن الإدارة وفن القيادة فيرقى بمن يقودهم إدارياً إلى التميز والابتكار والإبداع، فتراه يقوم بالاستغلال الأمثل للموارد البشرية لديه في أفق إعادة توظيفها وتثمينها باعتبارها القوة المؤثرة في تفعيل الإدارة. إن تثمين العنصر البشري ووجود استراتيجية واضحة تحدد الإطار المرجعي عنصران مهمان لكي يتم تطوير القدرات والكفاءات والاستفادة منها في النهج الإداري السليم، فمتى ما أتقن فن الإدارة فإنه يؤدي حتماً إلى فن صناعة الموظفين الأكفاء. والقيادة ليست أمراً سهلاًَ وممكناً منذ الوهلة الأولى فهي منهج ومهارة، ولعل من أهم عناصرها توافر القدوة الحسنة التي يعكس بها القائد الإداري صورته أمام مرؤوسيه من خلال أمور كثيرة، منها: الانضباط، وضع الشيء موضعه، حبه للتميز وعشقه للإبداع، واستفادته من الإخفاق وعدم معرفته اليأس والإحباط، كما انه لا يكفي أن يكون قديراً، بل لا بد أن يكون متمتعاً بشخصية قيادية مؤثرة تدفع موظفيه إلى طاعة أوامره وتعليماته بحماسة وقناعة ورضا واحترام، انه فن القيادة الذي من دونه لا يمكن أن تكون الإدارة إلا صعيداً يوجد به جمع من الأفراد بلا تعاون في ما بينهم ولا فعالية، ولا تنسيق يوجه جهودهم نحو تحقيق أهداف إدارتهم. ومن نافلة القول أن الإبداع لا يمكن أن يكون متاحاً إلا عندما تكون هناك بيئة إدارية ملائمة، إذ لا يمكن أن يبدع الإنسان في بيئة ترفض التجديد، فعندما توجد البيئة الملائمة يزدهر الإبداع وبالتالي يكون التفاعل الحقيقي مع الإدارة فيبرز التفوق والابتكار وتكون قادرة على كسر المعوقات التي تعترض سبيلها في تحقيق أهدافها. عندما نتكلم عن فن الإدارة وفن القيادة يتبادر إلى الذهن وزير العمل الدكتور غازي القصيبي - وهو يقضي فترة النقاهة بعد العارض الصحي - أحد رجال الدولة المخلصين الذين تميزت مسيرتهم بالعطاء والتفاني في حب الوطن والعمل من أجله، فجسد الأنموذج الأرقى في الإدارة وحضور الشخصية على المستويين العام والخاص، لقد كان في كل محطة كان على رأسها منذ أن كان يافعاً في ال«30» من عمره - منذ توليه أول حقيبة وزارية - يمثل تجربة مهمة أصبحت بحق مصدر إلهام للإداريين والأدباء والاقتصاديين والسياسيين والديبلوماسيين، فهو ذلك المسؤول الذي يمتلك مخزوناً هائلاً من القيم الإنسانية الرائعة، التي انعكست في أعماله الإبداعية، وهذا بالطبع جعله احد النماذج المميزة، ففي الوزارة مثلاًَ تركزت رؤيته على: أداء حكومي مميز، وإدارة فاعلة للعمل، وهذان العنصران يمثلان مستوى الأداء الطموح في رؤية القادة، وبالتالي يحققان الغاية من وجود الوزارة ضمن منظومة مؤسسات الدولة، وهذه الرؤية الطموحة تنسجم مع مصالح الوطن العليا، إدارة فاعلة وفق خطة واستراتيجية محددة للحد من البطالة وتوفير فرص العمل للشباب والشابات وذوي الاحتياجات الخاصة في سعي دؤوب يهدف إلى رسالة تلتزم الأهداف التي من شأنها أن تُوجد التوازن بين مصالح العامل وصاحب العمل من جهة والانسجام بين المصالح الاقتصادية والثوابت الوطنية من جهة أخرى، والإسهام بشكل مميز في إشراك المواطن في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. غازي... الأستاذ الجامعي والوزير والسفير، بإدارته المحنكة، وان بلغ ال«70» عاماَ وخلدها في قصيدته «السبعينية»، هو من يقرأ ألف معروض وشكوى، ويحمل في دمه هموم البرايا، كما قال في إحدى فصائده. ولعل من المصادفة اللغوية بهذا الخصوص أن كلمة «إدارة» تتفق مع كلمة «إرادة» في الحروف، فكأنهما توأمان يحتاج كل منهما الآخر، والمقصود من طرح هذه المقاربة اللغوية هو التأكيد على أن «الإدارة» ينقصها «الإرادة» من اجل تحقيق النجاح وبلورته إلى حيز الوجود، وهو ما تميز به غازي القصيبي عن غيره... وقد تكون «الإرادة» جواباً لكثير من تساؤلات النخب الإدارية في عدم نجاح بعض النظريات الإدارية التي يتم تطبيقها. إن إشكالية التعقيد الإداري واستمرار الطابع الكلاسيكي التقليدي الذي يهتم بالأمور الروتينية، جعل بعض الإدارات تموج في مسارات طويلة معقدة وآجال غير محدودة في خططها الإدارية لتصبح ترسانة من الممارسات التي تؤدي إلى انعدام الشفافية، وبالتالي يظهر عدو الإدارة الأول ألا وهو الفساد الذي يعيش وينمو ويترعرع حين تغيب الشفافية والإدارة الناجحة، وحين تكون الإدارة في خصومة مع مبدأ الشفافية فإن ذلك يعني أن الاختلالات في الشأن العام وصلت إلى الحد الذي يكون التعتيم هو العاصم الوحيد لها لإخفاء المخالفات والفساد، فمتى ما هيمنت كفتا الواسطة والمحسوبية - أعتى ضروب الفساد الخفي - على معايير الاستحقاق والكفاءة التي تم تهميشها بشكل ممنهج وبطريقة اعتيادية فإنه مع الوقت يتم استيعاب هذا الداء في الإدارة ويعتبر عادياً ومعمولاً به في نظر من يديرون عقارب الساعة إلى الوراء، على رغم خطورته على سير المرفق العام. غازي الإدارة... والجميع بصدد انتظار عودتك ورجوعك سالماً معافى، نقول لك بحرارة الكلمة وصدق المشاعر: عاد الصفاء وولت البأساء، واستولى السرور على ما في الصدور... عوداً حميداً يا فارس الإدارة. [email protected]