في رؤية مستندة إلى تجربتها الشخصيّة، تشير الكنديّة - السعوديّة ياسمين مرزبان، وهي مختصة بالطب والبيولوجيا من «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية»King Abdulla University for Science & Technology (اختصاراً «كاوست» KAUST)، أن العلم «يجمع العقول العظيمة بغض النظر عن الجنس». وتشير إلى أن ذلك يعني «أنّ العلم مناسب للجنسين. إذ تواجه النساء في أنحاء العالم تحدّيات عدّة في خوض غمار التقدّم في العلوم، وهي تحدّيات تلازمهنّ طيلة مسارهن فيها. وكذلك تدعو إلى ضرورة «تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والحياة العملية. إذ يقع على عاتق المرأة عدداً كبيراً من المسؤوليّات تفوق ما يُطلب من الرجل، في مجتمعات وثقافات كثيرة ومتنوّعة». وتشدّد مرزبان أيضاً على فرادة دور المرأة في الأسرة وتربية الأطفال، ما يعطي لقرارها في ذلك طابعاً حاسماً في حياتها، كما يعني أنّ «اللجوء إليه في وقت مبكّر من شأنه إعاقة نجاح المرأة في سلوك المسارات المتقدّمة في العلوم والتكنولوجيا». بين «هجرتي» الخلايا والبشر في تأمّل ما، يبدو كأن هنالك خيوط خفيّة بين مرزبان الإنسانة وبحثها العلمي. إذ يتمحور بحثها حول خلايا المنشأ Stem Cells (تترجم أحياناً بالخلايا الجذعيّة) التي هي «منشأ» فعليّاً لخلايا الجسم جميعها، وهي أصلها وجذرها. ويركز البحث عن منحى معيّن في تلك الخلايا وهي هجرتها في الجسم، وانتقالها من نسيج معيّن فيه إلى نسيج آخر. ألا يبدو ذلك قريباً من صورة الإنسانة التي نشأت وترعرعت في كندا (تحديداً مدينة «تورنتو»)، واحتفظت بجذورها الآتية من أسرة مصريّة مهاجرة؟ وإذ يميّز ذلك البحث بين الهجرة الحميدة التي تدعم مستقرها الجديد، والهجرة غير الحميدة بمعنى التسبّب بالمرض، تبدو مرزبان كأنها في هجرة حميدة مرتين. تأتي الأولى من هجرة أسرتها إلى كندا، والثانية من استقرارها في المملكة العربيّة السعوديّة التي صارت مستقرها بعد أن رسّخت هي وزوجها وعائلتها الصغيرة، وجودها في المملكة. هل يكتمل الأثر الحميد لتلك الهجرة بتوصّل مرزبان إلى ما تصبو إليه من استخدام هجرة الخلايا الجذعيّة في علاج أمراض مستعصية، تمتد من السكّري وربما تصل إلى السرطان؟ تعقد مرزبان أصابع الرجاء بانتظار لحظة النجاح المرتقب. «إنّ هجرة الخلايا أمر رئيس في عدد من وظائف الجسم الطبيعيّة، بل إنها تتدخّل في نشوء حالات مرضيّة متنوّعة. إذ تؤثّر على «معركة» الجسم مع السرطان مثلاً. فعندما يظهر ورم خبيث، يحاول جهاز المناعة في الجسم التغلّب عليه. وتؤثّر الخلايا المهاجرة في رد فعل جهاز المناعة على الورم الخبيث. وفي سياق متّصل، هناك أنواع من الخلايا الجذعيّة تعطي أثراً علاجيّاً، ومن المهم تحديد تلك الخلايا بهدف استخدامها في شفاء أمراض كثيرة. واستطراداً، أحياناً يكون مستحسناً تعزيز هجرة الخلايا، كحال الخلايا الجذعيّة العلاجيّة. في أحيان اخرى، يكون مجدياً إعاقة تلك الهجرة عندما تكون انتقالاً لخلايا تساهم في ظهور أورام خبيثة. كيف يمكن التأثير في هجرة الخلايا؟ هناك بعض المُكوّنات في الجسم، هي نوع من الجزيئيّات المركّبة، تتحكم في هجرة الخلايا. ويظهر ذلك في تأثير جزيئيّات لها علاقة بدورة السكر في الخلايا. يركز بحثي على عملية هجرة الخلايا، خصوصاً السيطرة على الجزيئيّات المتعلّقة بدورة السكر في الخلايا. واستطراداً، أحاول التوصّل إلى طريقة لتحفيز هجرة الخلايا الجذعيّة العلاجية، وتوجيهها إلى الأنسجة المرتبطة بأمراض محدّدة، إضافة إلى تحسين أداء الخلايا العلاجيّة في الأنسجة المتضرّرة مرضيّاً». بتلك الكلمات، تبسط مرزبان بحثها الذي كرّمها المجتمع العلمي العالمي عليه في آذار (مارس) الماضي، عبر منحها «جائزة النساء في العلوم» Women in Science، أثناء حفل لجائزة «لوريال- يونيسكو» استضافته باريس. وكرّمت الجائزة الأخيرة 5 عالِمات متميّزات مع 15 عالِمة واعدة، كان بين صفوفهن الإماراتيّة حبيبة الصفّار (أنظر «الحياة» في 19 نيسان (إبريل) 2016)، والسعوديّة مرزبان. وبلمسة نسويّة، تورد مرزبان تفاصيل عن تجربتها في التوفيق بين ضرورات التقدّم في البحث العلمي، ومُتطلّبات رعاية الأسرة. وتقول: «من أجل التوفيق بين ما ذُكر سابقاً، يفترض بمكان العمل أن يلبّي الحاجات العلميّة والعائليّة سويّة، إضافة إلى تعزيز آليات دعم المرأة ونجاحاتها. أعتبر نفسي محظوظة لأنني أقيم وأعمل في «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية»، ما يسهّل التوفيق بين مهنتي وعائلتي. وتُعتبر «كاوست» نقطة جذب رئيس للمرأة السعوديّة، ومجموعة من النساء العربيّات المنخرطات في العلوم. ولاحظت أن عدداً من الطلاب السعوديين يسافر إلى الخارج لسنوات بهدف الدراسة، وهو أمر أكثر شيوعاً عند الذكور، بمعنى أن الطالبات الإناث يفضّلن البقاء قرب عائلاتهنّ. ويبدو أن ذلك جزء من استمرار الطالبات السعوديات بالتوجه نحو «كاوست». وأفتخر بالعيش في تلك الجامعة التي وفّرت لي أيضاً وسائل للتركيز على مهنتي وعائلتي. ومثلاً، لست بحاجة إلى تمضية ساعات في التنقّل بين المنزل والعمل، بل أصل إلى منزلي بعد 5 دقائق من خروجي من عملي في «كاوست». ربما كان أمراً تفصيليّاً، لكنه مهم في الحياة اليوميّة».