يمكن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، تنفس الصعداء، فبعد أقل من 28 ساعة على تقرير مراقب الدولة، الذي هدد مكانته السياسية ووجه إليه تهماً جنائية خطيرة تتعلق بالفساد وتلقي الرشوة، هبطت قضية الفساد من العناوين لتحل محلها أخبار توسيعه الائتلاف مع أفيغدور ليبرمان. دفع نتانياهو هذا الثمن عندما منح ليبرمان منصب وزير الدفاع. لم يكترث لتاريخه في إطلاق التهديدات العشوائية بقصف أسوان وبإعادة احتلال غزة والضفة، فسلمه القرارات الأمنية، ليكون مسؤولاً عن الجيش ومشرفاً على خططه العسكرية والتدريبية. دخول ليبرمان الى حكومة نتانياهو يشعل الضوء الأحمر أزاء سياسة هذه الحكومة، التي تتميز أصلاً بسياستها اليمينية المتطرفة والحربية وبسياسة التمييز العنصري، ضد فلسطينيي 48، الشريحة الفلسطينية التي طالما دعا ليبرمان الى طردها، وفق خطط ترانسفير، وهو يريد ان يطرد قسماً منها ضمن خطة تبادل الأراضي مع أراضي الضفة الغربيةالمحتلة. ليبرمان يحضر الى الحكومة وأمامه مخططات ومشاريع تشدد السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وتضعف ما تبقى من اسس ديموقراطية، ولعل احد ابرز بنود الاتفاق منح المحاكم العسكرية حق فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين. لكن نتانياهو وليبرمان، اللذين تابعا الهلع في اسرائيل والعالم من تزاوجهما، أدركا ضرورة التخفيف من أخطار سياستهما. فأكدا انهما من خلال تشكيل حكومة راسخة وثابتة، يقدمان للعالم فرصة لدفع عملية السلام. بل إن ليبرمان يقول انه قادر من خلال هذه الحكومة على تحقيق الاستقرار ليس فقط في اسرائيل وللإسرائيليين انما في منطقة الشرق الأوسط. والمقربون منه راحوا يروجون الى انه يؤيد التسوية الإقليمية. حديث نتانياهو - ليبرمان خلال توقيع اتفاقية دخول حزب «اسرائيل بيتنا» الى الحكومة جاء في وقت لم يبد نتانياهو اي تجاوب مع مبادرات السلام باستثناء تصريحات متواضعة لدعم المبادرة السياسية التي طرحها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ويسعى الى دفعها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقال فيها بكل وضوح «اذا وافقت حكومة نتانياهو على التفاوض مع الفلسطينيين، على اساس مبادرة السلام العربية، فستكون الدول العربية مستعدة للقيام بخطوات لتطبيع العلاقات مع اسرائيل». وليس مصادفة البيان الذي اصدره نائب الناطق بلسان وزارة الخارجية في واشنطن، مارك تونر، بعد الإعلان عن تركيبة الحكومة معلنًا انها تركيبة تثير علامات استفهام حول وجهة الحكومة الإسرائيلية الجديدة وسياستها. فالكثير من وزراء الحكومة قالوا إنهم يعارضون حل الدولتين. هذا كله يطرح تساؤلات مشروعة حول الاتجاه الذي قد تمضي الحكومة نحوه، وحول السياسة التي يمكن ان تتبناها»، كما قال تونر الذي جاء بيانه ايضاً على خلفية جهود نتانياهو لبث رسالة طمأنة الى المجتمع الدولي في شأن سياسة الحكومة الجديدة والادعاء ان حكومته ستلتزم العملية السياسية ورغبته في استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وتعتبر الرسالة التي تضمنها بيان تونر تلميحاً عشية قيام الرباعي الدولي بنشر تقرير حول الجمود السياسي بين اسرائيل والفلسطينيين، والأوضاع في الضفة الغربية. والمتوقع ان يتضمن انتقاداً شديد اللهجة لسياسة حكومة اسرائيل، بخاصة في موضوع المستوطنات والأوضاع في المنطقة. حزب ليبرمان ومشاريع القوانين إلى جانب صلاحيات المحكمة العسكرية في فرض حكم الإعدام فإن اتفاق نتانياهو - ليبرمان يلزم كل نواب «اسرائيل بيتنا» بمشروع القانون الذي يسمح للكنيست، وفقاً لقيود معينة، بإعادة سن قانون أمرت المحكمة العليا بإلغائه. كما يلزم الاتفاق العمل لتغيير قانون أساس الحكومة، بحيث يمكن تعيين اكثر من نائب وزير واحد لكل وزارة. ويعني هذا ابقاء الباب مفتوحاً من نتانياهو، لضم «المعسكر الصهيوني» او «يوجد مستقبل» الى الائتلاف والحكومة مستقبلاً. ويتضمن الاتفاق مادة يمكن ان تشير الى التراجع عن الالتزام بدفع قانون القومية. فقد كتب في الاتفاقيات، التي تم توقيعها عشية تشكيل الحكومة، في شكل واضح، انه «سيقام طاقم يعمل لصياغة قانون اساس اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، ويلزم موافقة كل كتل الائتلاف». لكن لم يتم تشكيل هذا الطاقم، والنص في الاتفاق الحالي حذر وغير ملزم، وجاء فيه: «اذا اقيم طاقم وزاري لصياغة نص قانون اساس اسرائيل دولة قومية، يضم الطاقم ممثلي كل الكتل الأعضاء في الائتلاف. وإذا اتفق على النص، تلتزم الكتل العمل من اجل حصول نص القانون على الغالبية المطلوبة في اجراءات التشريع في الكنيست». ووفق الاتفاق، سيعمل ليبرمان على دفع الإصلاحات في جهاز الأمن والتي تمت صياغتها في فترة موشيه يعالون، ويتم تمويل الوزارة بناء على التفاهم القائم. وسترجع النائب صوفا لاندبر الى منصب وزيرة شؤون الهجرة والاستيعاب، وسيتم تشكيل مجلس وزاري خاص في هذا الموضوع برئاسة احد وزراء الحزب. كما سيتسلم احد نواب «إسرائيل بيتنا» منصب نائب رئيس الكنيست، فيما سيتم ضم عضو آخر الى لجنة الاقتصاد البرلمانية. وعلى رغم ما اطلق من تصريحات وتوقعات بعدم الاتفاق مع نفتالي بينت لكن اعضاء في حزبه ومقربين من نتانياهو اكدوا ان بينت سيبقى في الحكومة. والوزير بينت من ناحيته ما زال متمسكاً بمطلب تعيين سكرتير عسكري خاص للمجلس الوزاري المصغر، مهدداً بأن حزبه لن يصوّت على تعيين ليبرمان وزيراً للأمن لدى عرض الموضوع على الكنيست، المتوقع الاثنين. وهذا التهديد، وفق التوقعات، سيحول دون تنفيذه مع الجهود الذي سيبذلها نتانياهو والتنازلات التي سيقدمها لبينت لضمان وجوده. ووفق ما تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤولين في حزب بينت «البيت اليهودي» انه «يجب ان لا يرفع أي عضو في المجلس الوزاري المصغر يده لتأييد قرار بإرسال اولادنا الى غزة او لبنان من خلال المعرفة بأن بعضهم لن يرجع، من دون ان يعرف الوزراء على ماذا يصوتون، ومن دون معرفتهم بكامل الصورة والمعلومات والقدرة على توجيه الأسئلة الصحيحة». تتفاوت التوقعات حول السياسة التي ستتبعها حكومة ليبرمان - نتانياهو - بينت، حول الحرب. وتحت عنوان «لا تقلقوا، ستقع الحرب» كتب كوبي نيف يقول:» إذا لم يكن في هذا الصيف، ففي الربيع المقبل. هذا هو بكل بساطة الواقع هنا، على الأقل خلال السنوات العشر الأخيرة. كل عامين أو ثلاثة، في الحد المتوسط، تقع الحرب، وليس مهماً بتاتاً، من يكون رئيس الحكومة ومن يكون وزير الدفاع، ومن أي حزب جاءا» ويعتمد نيف على عشر سنوات مضت ويقول: «2006 - حرب لبنان الثانية. رئيس الحكومة ايهود اولمرت (كديما)، وزير الدفاع عمير بيرتس (العمل). مقتل 165 اسرائيلياً وحوالى الف لبناني. 2008 - «الرصاص المصبوب»، رئيس الحكومة ايهود اولمرت (كديما)، وزير الدفاع ايهود باراك (العمل). قتل 13 اسرائيلياً وحوالى 1300 فلسطيني (المعطيات الفلسطينية تشير الى ضعف هذا الرقم). 2012 - «عمود السحاب». رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو (الليكود)، وزير الدفاع باراك (عتسمؤوت)، مقتل ستة اسرائيليين وحوالى 50 فلسطينياً. 2014 - «الجرف الصامد»، رئيس الحكومة نتانياهو (ليكود)، وزير الأمن موشيه يعالون (ليكود). مقتل 72 اسرائيلياً وحوالى 2200 فلسطيني. ويضيف نيف» من ناحية احصائية، على الأقل، وحتى في ضوء عدم مساهمة أي حرب بتحقيق أي تغيير في الوضع الأساسي المسبب للحروب، بل ربما حدث العكس، فاإنه في 2016 أو 2017، ستقع الحرب، من دون أي علاقة بوجود ليبرمان. الحرب لن تبدأ ايضاً بسبب ليبرمان. بل ستبدأ كالمعتاد، مثل كل الحروب السابقة. احدهم سيختطف و/أو يقتل جنود او مدنيون، ورداً على ذلك سيعقد المجلس الوزاري مرات عدة، كي يظهر بأنه متوازن وجدي، وفي النهاية سيقرر، وليس مهماً من يجلس هناك، تحريك الجيش للعمل - أي تحريكنا للحرب - وسيعلن للأمة بأننا «هذه المرة سنجتث «الإرهاب»، وسنزيل مرة وإلى الأبد التهديد. كل شيء كالمعتاد. وعندها، سيقوم كل شعب اسرائيل، الممزق والمتنازع في الأيام الاعتيادية، وسيتوحد في تقديس الحرب، ويقف كرجل واحد الى جانب جنود الجيش الإسرائيلي الذين يهجمون في الظلام على جباليا او بنت جبيل، لأنه يمنع «الاستسلام للإرهاب»، و»الدم اليهودي لن يكون مهدوراً»، ولا ننسى ايضاً «من يقوم لقتلك اسبقه واقتله». الصحيح انه بما ان ليبرمان وليس يعلون سيكون وزيراً للدفاع، يشدد نيف، فإن الحرب المقبلة سوف تتميز ب «اكثر»: اكثر اصراراً، اكثر قوة نارية، اكثر قتلى، اكثر من كل شيء. كم ستكون الأرقام لا نعرف بعد، لكن هناك مسألة واحدة واضحة، في النهاية سيتم التوصل الى هدنة، بعد ان يتم خرقها مرتين او ثلاثاً، ونحن وهم، كل طرف من جانبه، سيعلن الانتصار». الخبير العسكري المقرّب من المؤسسة العسكرية، أليكس فيشمان، يرى ان ليبرمان سيظهر اكثر مرونة في الحكومة الجديدة ويقول:» صحيح ان الالتزام الذي منحه نتانياهو للرئيس المصري، السيسي، كي يبدأ بهذه الخطوة امام العالم العربي، كانت مفصلة وفق مقاس المعسكر الصهيوني، لكنه يتضح ان التوجه بقي - على الأقل على مستوى الاستعداد - كما هو. ليبرمان في الداخل. يمكن مواصلة التدحرج، والحديث على الأقل عن الاتفاق. وفي محاولة لإجهاض هذه الحكومة منعاً لتحويل توقعات الحرب واقعاً على الأرض ولدعم المسيرة السلمية تبذل جهود لتشكيل حزب يميني معتدل يكون قادراً على إسقاط نتانياهو والتخلص منه ويقف على رأس المحاولة يائير ليبيد، الذي يحاول ضم وزير الدفاع المستقيل موشيه يعالون وعدداً من الجنرالات السابقين. رئيس حزب «الحركة»، الشريك في المعسكر الصهيوني، النائب تسيبي ليفني، تقول انه «توجد في الخارج مبادرة مصرية وإقليمية، لكنه «يخطئ من يحلم بالسلام مع المنطقة من دون ان يدفع ثمن العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين، مشيرة الى مبادرة بلير - السيسي»، وبرأيها يمكن دفع هذه المبادرات فقط اذا اقيمت خطوات تجميد على الأرض، و»إذا لم نفعل ذلك بمبادرتنا فسيتم تحديد ذلك في باريس حين لا نكون هناك». وأضافت ليفني ان نتانياهو ليس ملتزماً خطاب بار إيلان، «فعندما جرى نقاش لتشكيل حكومة اخرى اتضح أن رئيس الحكومة ليس مستعداً للتوقيع على ما قاله، وهذا ليس بسبب البيت اليهودي وإنما بسبب الليكود ومع كل التصريحات، ولن يتم ضم إريئيل خلال فترة هذه الحكومة، ولن يتم ضم حتى حبة تراب من أراضي المنطقة C، وكلنا سندفع الثمن بقيمنا، ويجب علينا جميعاً الدفاع عن هذه القيم، لأنه من دون ذلك لن تقوم دولة الشعب اليهودي». مبادرات عدة، ليس فقط من قبل لفني ويائير، لكنها من دون أدنى شك ما زالت مجرد محاولات، احتمالات نجاحها متواضعة. وفي النهاية فإن حكومة نتانياهو الجديدة، تثير القلق بتنفيذ مغامرات حربية بقدر ما تثير الاحتمالات بإحداث حراك سياسي. فقد اعتادت حكومات اليمين المتطرف في اسرائيل على القيام بحرب، قبل أو بعد الانطلاق في عملية سياسية. من مناحيم بيغن الذي انسحب من كل سيناء ثم قصف مفاعل العراق وشن حرب لبنان الأولى، الى إرئيل شارون الذي اجتاح الضفة الغربية وحاصر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حتى الموت ثم انسحب من قطاع غزة.