«ناسك الكرملين يحج الى جبل آثوس»... هذه العبارة أو كلمات شبيهة بها، برزت على صفحات بعض وسائل الإعلام في روسيا، في تغطياتها للزيارة التي بدأها أمس الرئيس فلاديمير بوتين لليونان. والدلالات التي لا تخفى فيها، تتجاوز فكرة الوجود التاريخي للرهبان الروس في الجبل اليوناني «المقدس»، وهو أمر ذو أهمية بخاصة هذه السنة التي تصادف مرور ألف سنة على وصول أوائل الحجاج من روسيا إلى تلك المنطقة وإقامة أول دير كان شاهداً على تقلبات الزمن وطغيان الطابع الأرثوذكسي على شبه جزيرة كالسيديس، حيث يقع الجبل، ما أسفر عن ارتباط تاريخي مازال وثيقاً بين اليونان وروسيا. وهو برز خصوصاً خلال حرب استقلال اليونان (1821- 1832) وبعدها، عندما شهد الجبل برعاية القيصر الروسي توسيع الأديرة الروسية والممتلكات التابعة لها. تقول الأساطير الروسية إن من يزور ذاك الجبل يحظى ببركة السيدة العذراء، وقد يكون الأمر بين أسباب حرص الرئيس الروسي على زيارة المنطقة في كل رحلة يقوم بها إلى اليونان... على رغم أن بداية عهده «لم تكن موفّقة» على هذا الصعيد. إذ دفعت ظروف مختلفة إلى إلغاء بند زيارة الجبل من جدول أعمال الرئيس في زيارتين تمتا في بداية الألفية الثالثة، وحينها كتب بعضهم في روسيا أن تلك «علامة شؤم». لكن الأمر تم تجاوزه كما يبدو في العام 2005، عندما قام بوتين بزيارة ناجحة للمنطقة والتقى الرهبان الروس. وسر التركيز على هذا الأمر خلال الزيارة الحالية، لا يقتصر على البُعد التاريخي ورمزية الحدث بالنسبة الى الزعماء الروس منذ عهود القياصرة، بل يتجاوز ذلك إلى الأهمية التي يوليها الروس الآن لكل رحلة يقوم بها بوتين، بعدما غدت رحلاته الخارجية نادرة في ظل الحصار والمواجهة مع الغرب، وهذا هو السر في تسميته «ناسك الكرملين». ومقارنة مع النشاط السابق للرئيس الروسي في مجال السياسة الخارجية، يبدو بوتين الآن تقريباً في عزلة. فزيارة اليونان أول رحلة خارج الفضاء «السوفياتي» السابق منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما حضر قمة المناخ في باريس. قبل ذلك، زار هنغاريا في شباط (فبراير) 2015. وللمقارنة بعهود «الانفتاح»، فإن بوتين قام ب26 رحلة خارجية في العام 2004 يمكن تقسيمها مناصفة بين الزيارات الرسمية وزيارات العمل. هذا الأمر له أهمية متزايدة لدى الكرملين، وبرز من خلال دعوات متكررة إلى الغرب لكي يتعامل مع روسيا على قدم «المساواة»، من أجل استئناف العلاقات. ويبدو أن بوتين بدأ يفقد صبره بسبب تجاهل الغرب دعواته، ما انعكس في تمديد قمة مجموعة الدول السبع الكبرى العقوبات على بلاده، والتعليقات «غير المشجعة» التي صدرت أخيراً عن مسؤولين أوروبيين، على رغم أن روسيا تعتبر أنها أحرزت تقدماً مهماً في المحادثات مع أوروبا حول التسوية في أوكرانيا. لذلك كتب بوتين في صحيفة يونانية عشية زيارته أثينا: «ننطلق من ضرورة بناء حوار شراكة متساوية وجدية مع الاتحاد الأوروبي. نعتقد بأن العلاقات على مفترق خطير، وينبغي ألاّ نؤجل التفكير في مسألة كيف نرى المستقبل المشترك وعلى أي طريق نسير». ولتفكيك الحصار الأوروبي المفروض على بلاده، يبدو رهان بوتين قوياً على «الشقيق» اليوناني الذي تجمعه بروسيا «قرون من الصداقة والقيم الحضارية المشتركة». لكن بعضهم يشكك في «القدرة السحرية» للجبل. وكتب معلّق أمس: «إذا كانت السيدة العذراء غضبت من بوتين بداية الألفية وهي لم تكن تعرف بعد خيره من شره، فهل سترضى عنه بعد جورجياوأوكرانيا والقرم وسورية؟».