تطبّق الحكومة التونسية منذ سنوات إصلاحات هيكلية في المجالين الاقتصادي والتشريعي للاستفادة من تدفق المستثمرين العرب والأجانب فأثبتت أنها أحد البلدان القليلة حول العالم التي تمكنت من تجاوز تداعيات أزمة المال العالمية. ولفتت شركة «المزايا القابضة» إلى أن الحكومة التونسية اتخذت نهج تحرير الاقتصاد المحلي وفتح قطاعات استثمارية جديدة لتعميق الأسواق وتنويع مصادر الدخل، فأضافت دخلاً إلى ذلك المولّد من قطاعات الصناعة والسياحة والزراعة التي تُعد من أكبر مصادر العملة الصعبة والمساهم الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي. وأشارت الشركة التي تتخذ من دبي مقراً - في تقرير - إلى أن سوق الأسهم في تونس حققت ارتفاعاً منذ بداية السنة لامس 15 في المئة، ما يعد مؤشراً ممتازاً يعكس الثقة التي يوليها المستثمرون للاقتصاد التونسي. وأكد التقرير أن التطورات الإيجابية في الاقتصاد التونسي تفند الفكرة التقليدية التي ظلت سائدة بوجود ارتباط قوي بين دول المغرب الغربي وأوروبا. وكانت تونس وقعت مع الاتحاد الأوروبي عام 1995 اتفاق شراكة ساهم في جعلها وجهة مفضلة للاستثمارات الصناعية الأوروبية، إذ ارتفع عدد المؤسسات الصناعية الأوروبية المستثمرة في تونس إلى 2200 مؤسسة، توجه صادراتها بالكامل إلى دول الاتحاد الأوروبي. وفاقت قيمة الصادرات 16 بليون دينار (12 بليون دولار) عام 2009، في مقابل أربعة بلايين دينار فقط عام 1995، أي أنها ارتفعت أربعة أضعاف منذ توقيع اتفاق الشراكة. وبيّن تقرير «المزايا» أن من الأمور التي ساهمت في حماية سوق الأسهم التونسية من حال الذعر التي أصابت المستثمرين حول العالم، قلة عدد المستثمرين الأجانب منهم نتيجة القيود التي لا تزال قائمة. وساهمت الأمطار الغزيرة التي تساقطت على تونس في السنوات الماضية في إنعاش الزراعة التي ارتفعت مساهمتها إلى 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويؤمّن القطاع فرص عمل لنحو 20 في المئة من القوى العاملة المحلية. وارتفع مستوى الاستهلاك الأسري في المناطق الريفية، في حين انخفضت واردات الغذاء. وكانت بلدان مغاربية مثل تونس والمغرب بدأت سياسة إصلاحية تهدف إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وأشارت «المزايا» إلى صدور خطط تنموية جديدة في هذه البلدان تسعى إلى زيادة الإنفاق في بعض القطاعات والصناعات المحددة، مثل النقل والاتصالات ونشاطات التعهيد، أي التزام التنفيذ المحلي لأعمال تابعة لشركات أجنبية. ونجحت هذه الجهود في جذب مزيد من المستثمرين الأجانب. ويساهم الاستثمار الخارجي بنحو 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بعدما كان لا يمثل سوى 1.5 في المئة منه قبل 10 سنوات. وتوقعت وزارة التنمية والتعاون الدولي التونسية أن تحقق تونس استثمارات أجنبية تقدر ب 2.4 بليون دينار تونسي هذه السنة، مشيرة إلى نمو إيجابي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة، إذ حققت الاستثمارات الأجنبية المباشرة نمواً بنحو 6.5 في المئة في الربع الأول من السنة، وسُجلت استثمارات تقدر ب 457 مليون دينار، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي التي حققت نحو 429.2 مليون دينار تونسي. وتسعى تونس هذه السنة إلى إنجاز مشاريع في قطاعات الخدمات المعملية، وتقنيات الاتصال، والمعلومات، والخدمات الموجهة إلى المؤسسات، والطاقات البديلة، والخدمات الطبية والصحية. وتلاقي هذه القطاعات نجاحاً في تونس لأنها تمكن من تشغيل حاملي الشهادات، خصوصاً أن هناك ضغطاً كبيراً يتمثل في 80 ألف طلب إضافية للعمل منها أكثر من 60 في المئة من حاملي الشهادات. وبحسب إحصاءات رسمية، ينشط في تونس ما يقارب 3070 مؤسسة أجنبية، أمنت 314 ألف فرصة عمل. وتشكل المؤسسات الأوروبية 87 في المئة من إجمالي المشاريع الموجودة في البلاد، فيما أظهرت إحصاءات العام الماضي أن نحو 108 مؤسسات أغلقت مشاريعها في تونس، كان يعمل فيها نحو 11400 عامل. وذكّرت «المزايا» بأن «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس صنف تونس في المرتبة الأولى أفريقياً و39 عالمياً في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، إذ وضعت إستراتيجية لرفع نسبة الصادرات ذات القيمة المضافة العالية والمحتوى التكنولوجي العالي إلى 50 في المئة من إجمالي صادرات البلاد عام 2014، في مقابل 25 في المئة فقط عام 2009. يذكر أن تونس تعمل على تطوير مشاريع عملاقة مثل مطار النفيضة، وميناء جديد، وتوسيع شبكات الطرقات، ومشاريع عقارية كبرى مثل مشروع «باب المتوسط» بتكلفة تُقدر ب 25 بليون دولار، ومشروع المدينة الرياضية. ويُتوقع أن تنمو الاستثمارات الإماراتية في تونس إلى نحو 60 بليون دولار. وأكد التقرير أن قطاع العقارات في تونس لم يتأثر كلياً بالأزمة المالية العالمية بسبب اعتماده في غالبيته على الأجانب والتونسيين المقيمين في الخارج، لكن عمليات المضاربة في هذه السوق التي ازدهرت خلال السنوات الثلاث الماضية رفعت الأسعار، ما خفض الطلب. واعتبرت «المزايا» أن الطبيعة الغنية والجغرافيا المتنوعة جعلت من تونس مقصداً سياحياً لأبناء الشمال الأفريقي وأوروبا وغيرهما إذ يقصد تونس نحو 1.2 مليون جزائري للسياحة في قطاع يؤمّن 380 ألف وظيفة دائمة، وهو ثاني أهم قطاع مولّد للوظائف بعد الزراعة في تونس، وهو يدر 20 في المئة من دخل تونس من العملة الصعبة. وتكشف الأرقام الرسمية التونسية أن العائدات التي يجنيها القطاع بفضل السياح الجزائريين لا تقل عن 350 مليون دولار سنوياً في المعدل. وتنتشر السياحة الاستشفائية، خصوصاً في مجال المعالجة بمياه البحر، إذ تعد تونس الثانية عالمياً بعد فرنسا في هذا التخصص، ما ساعد في إرساء موسم سياحي يمتد طوال السنة.