سيوة وطنجة، مدينتان على أقصى طرفي القارة الإفريقية، يجمعهما، على رغم المسافات، البرنامج الإقليمي «يوروميد» الرابع للتراث الثقافي عبر مشروع «سيوة وطنجة، تراث من أجل حياة أفضل» لحماية التراث الثقافي المحلي وتعزيزه. ويعيش في الفترة الراهنة عشرات الأطفال المغاربة أبناء طنجة تجربة اكتشاف مدينتهم بعيون وأساليب جديدة، وينخرط سكان عدد من الأحياء في مبادرات أخرى لتحسين جوارهم المشترك، بينما يواصل المشروع الممول في إطار برنامج «يوروميد» 4 للتراث الثقافي العمل على أهدافه الأخرى. ليس أفضل من النشء لغرس الوعي بالهوية الثقافية والشعور بالمسؤولية إزاء التراث الثقافي المتراكم عبر الأجيال، والمهدد جزء منه بالتجاهل والاندثار. هذا ما تترجمه المبادرة التربوية «جولة داخل المدينة القديمة» التي انطلقت في مدينة طنجة المغربية في آذار (مارس) الماضي وتستمر حتى نهاية حزيران (يونيو) الجاري. يجمع مشروع «سيوة وطنجة، تراث من أجل حياة أفضل» (مدته 3 أعوام وموازنته 951,463 يورو) بين شريك أوروبي هو جمعية «كوسبي» (COSPE) الإيطالية وجمعية البوغاز في طنجة وجمعية مصرية في سيوة. وهذه المبادرة التربوية هي جزء من مبادرات أخرى يتضمنها المشروع، وتتقاطع مع أهداف كبرى تصبو إليها مدينة طنجة، بوابة افريقيا وأقرب نقطة إلى أوروبا أقصى شمال المغرب، حيث التراث العريق للمدينة القديمة يحتاج الى الكثير من العناية وتسليط الضوء عليه وسط الورش الكبرى المقامة في المدينة العصرية منذ العام 2002. بعد انطلاقها من فترة وجيزة، تبدو مبادرة «جولة داخل المدينة القديمة» في طنجة تجربة مثيرة للاهتمام، تعيشها مجموعة تلاميذ يعيدون النظر في محيطهم الذي ترعرعوا فيه بعيون جديدة، وبأدوات وأساليب ممتعة تفتح إدراكهم على أشياء حول هويتهم وتاريخهم لم تخطر لهم على بال، وكانوا يمرون أمامها مرور الكرام. أتيحت هذه الفرصة الفريدة ل25 تلميذاً من خمس مؤسسات للتعليم الابتدائي في المدينة القديمة نفسها، ليستكشفوا من جديد عالم الأساطير والقصص العالمية المرتبطة بمدينة نوح وهرقل والرحالة العالمي ابن بطوطة، وأعلام أخرى في التاريخ الحديث والمعاصر ارتبطت أسماؤها بطنجة إلى الأبد... رحلة تربوية معززة بحصص أسبوعية وورش تقنية لتعريف الأطفال بتراث مدينتهم، وألعاب مسلية ومفيدة عبر بطاقات تحمل أسئلة حول تاريخ المدينة ومعمارها وتقاليدها وحياة سكانها من خلال حرفهم التقليدية المتوارثة عن الأجداد، وشخصياتها وزيارات ميدانية لقصبتها وأبراجها وأسوارها وبيوتاتها التقليدية العريقة. رحلة لا تنتهي في يوم أو أسبوع، بل تدوم في الزمان والمكان مدة 4 أشهر، كما هو حال مبادرة أخرى تدعى «ألتزم مع مدينتي» وهي قافلة انطلقت في 29 نيسان (أبريل) الماضي في 5 أحياء في المدينة العتيقة وتتواصل حتى27 الجاري، وفي إطارها يجرى الآن أيضاً نشاط «مجموعات الجيران»، وتقضي الفكرة باقتراح أفكار لتزيين فضاء المدينة وأزقتها. فكرة «مجموعات الجيران»، جذبت الكثير من سكان المدينة، برأي إيلاريا كونتي، منسقة كوسبي في طنجة. وتعلل إيلاريا سبب وجاهة الفكرة بأن «كثيرين يهجرون المدينة العتيقة تاركين إياها للأجانب والخراب، ونحن نعمل لابقائهم فيها، وتحسين علاقتهم بها ودفعهم لحل بعض مشاكلها، من خلال عملية المرافقة وتمويل تنفيذ أفكارهم»، وهذه العملية «طويلة النفس ولكن نتائجها مستدامة». وتؤكد إيلاريا أهمية المرصد الذي أعدت لأجله خلية للتفكير لتحديد الهدف منه، معتبرة إياه أحد الأنشطة «الأكثر تعقيداً» في المشروع، نظراً لتعدد الرؤى، ف «هناك من يراه مرتبطاً بمخطط إنقاذ وإعادة تأهيل المدينة، ومن يفضله مؤسسة للأبحاث، ومن يتصوره مركزاً للتنمية...». وتقول إيلاريا إن من المتوقع لاحقاً تنظيم لقاء للخروج برؤية موحدة في شأنه. ومن ضمن مبادرات المشروع، هناك: مدرسة صيفية حول «تدبير التراث الملموس»، ومنتديان تشاركيان مع الفاعلين المعنيين بالسياحة المستدامة خلال عام 2011 حول السيناريوات المستقبلية للمدينة وتشجيع أدوات التنسيق بين الفاعلين والأنشطة المدعومة، وورش تكوين ميداني حول «وسائل تعزيز السياحة الثقافية في المدينة» وتشجيع الصناعة التقليدية بتنظيم تدريب لمجموعة من النساء والشباب. وعلى أساس المقاربة التشاركية، يسعى برنامج «يوروميد» 4 للتراث (2008-2012) إلى دفع الناس إلى امتلاك تراثهم المحلي، ويشجع على التربية عليه والمعرفة به، لترسيخ ممارسات جديدة تجعل التراث الثقافي المحلي في صلب التنمية المجتمعية. * أوروبا جارتنا مشروع إعلامي مشترك متعدد الوسائط بين «الحياة» وتلفزيون «ال بي سي» وصحيفة «لوريان لوجور» الناطقة بالفرنسية، يموله الاتحاد الاوروبي ويهدف إلى تسليط الضوء على مشاريع الاتحاد وبرامجه في منطقة حوض المتوسط عبر تقارير تلفزيونية ومقالات صحافية تنشرها «الحياة» اسبوعياً وتحمل علامة المشروع. المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد الاوروبي. للاطلاع زوروا موقع: www.eurojar.org