تختلف وتتنافر الآراء السياسية في ما يعود لعلاقة الصهيوني السياسية باليهودية الدينية، ولئن كان البعض يحاول التفريق بينهما فإن أوساطاً ترى علاقة وثيقة بينهما وأن الصهيونية هي نتاج نظرة اليهود الى أنفسهم كشعب مختار فوق الشعوب غير المختارة. ولئن ارتبط القسم الأكبر من العرق اليهودي بنظرة خاصة تجعله مميزاً عن اتباع الأديان الأخرى، إلا أن قسماً ضئيلاً منه لا يوافق على هذا التعالي في مضمار معاملة الشعوب، ونراه يأخذ اتجاهاً انسانياً على نحو ما نرى في فئة محدودة من يهود إسرائيل تناشد التآخي والتعايش وقبول الغير في حياته الاجتماعية. أما الصهيونية فهي الثوب السياسي الدولي لليهودية، ولها منظمات تتفرع عنها، وهي تطبق أو تحاول أن تطبق المخططات التي وضعت منذ أوائل القرن العشرين. وكانت أوروبا مركزاً لهذه المنظمات، إلا أنها بعد الحرب العالمية الثانية انتقلت الى الولاياتالمتحدة، ومنها ترسل الآن موجات مخططاتها الى أطراف العالم، خصوصاً الى الشرق العربي حيث جعلت من إقامة إسرائيل، وهي بالواقع ولاية أميركية بامتياز، الطريق الى تنفيذ مخططاتها. ويجدر التأكيد أن الدعوة الى مكافحة الصهيونية لا تعني أبداً النيل من اليهودية، فهي أحد الأديان السماوية وذات رصيد تاريخي واجتماعي يحظى بالاحترام والقبول، إنما الصهيونية أتت في القرن التاسع عشر ومن ثم في القرن العشرين لتتذرع بالدين اليهودي من أجل سياسة عنصرية تحمل الى العالم حروباً وأزمات. ونلمس هذا من القصة الشهيرة للضابط (دريفرس) في آخر القرن التاسع عشر بين 1880 و1890، حين تمت ملاحقة الضابط اليهودي والحكم عليه ثم إعادة الاعتبار له عام 1906 وأدت هذه الواقعة في المجتمع الفرنسي الى اضطراب اجتماعي عميق امتد ثلاثة عقود. ثم أتى المستشار الألماني أدولف هتلر، في النصف الأول من القرن العشرين، يعاود اضطهاد اليهود في شكل عنيف وشرس قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها، ليسترجع هؤلاء بعد الحرب نفوذهم وتقام لبعضهم دولة في فلسطين قلب الشرق العربي، تجمع الملايين منهم، وترحب أوروبا سراً برحيلهم عنها، إضافة الى أنها أوكلتهم بإتمام ما لم تستطع في حروبها الاستعمارية التي لم يبق لها مكان في العصر الراهن. الهجمة ضد السامية حصلت في أوروبا في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين عندما كانت أوروبا تحكم العالم، ثم أخذت الولاياتالمتحدة الدور الأوروبي في قيادة العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، لتنتقل قوى التأثير اليهودية الى الولاياتالمتحدة حيث نجحت في إقامة قاعدة قوية في دوائر السياسة. أما أوروبا... فقد تم في أغلب بلدانها وضع قوانين شديدة صارمة بحق كل من يتعرض للعنصر اليهودي، وهذا دليل وجود كراهية. معاداة السامية في أطراف أوروبا وتم في مسرح (مان دور) في باريس في 8 أيار (مايو) 2009، استعراض (لائحة مضادة للصهيونية) فتعرضت لها صحيفة «لوموند» متساءلة: هل تخفي وراءها معاداة للسامية؟ ورأت «لوموند» أن هذه اللائحة، التي ترمي الى فضح الصهيونية في إطار فرنسي وطني، تسير في خط معاداة السامية. ونظراً الى وجود دولة إسرائيل في الشرق الأوسط، فإن التركيز على لجم معاداة السامية يتعزز. وقد لوحظ في العقود الثلاثة الأخيرة أن المحافل الدولية تجعل من معاداة الصهيونية، الطريق الى الاتهام بمعاداة السامية، مما يوجه الى تدخل قضائي في كثير من الدول الاوروبية والأميركية، وهذا ما يسمح بحماية الصهيونية على رغم الفارق الكبير بين الصهيونية السياسية واليهودية الدينية. في عام 2009 أصدرت وزارة الداخلية الفرنسية قراراً في 20 أيار بحل منظمة تدعى (شباب كيمي سيبا) وهي مجموعة قريبة من حركة (مقاومة الاستعمار) التي أسسها الناشط الزمني كيمي سيبا، وتم حل المجموعة على أساس أنها (منظمة عنف مسلح) وهذا ما لا يسمح به قانون عام 1936 الذي يمنع إثارة البغضاء والعنف العرقي أو الديني، لأن مجموعة الشباب الفرنسية نشرت من طريق (الفيديو) دعوة صريحة في 24 أيلول (سبتمبر) 2008 (لاستعمال السلاح في استئصال الصهيونية) وسبق أن نزل الناشط كيمي سيبا عام 2006 مع أتباعه (وقد قدروا ب80 شاباً) الى الحي اليهودي في باريس. وتأخذ منظمة (شباب كيمي سيبا) صفة شبه عسكرية، إذ ان كل فرد من أعضائها يقسم اليمين للسير في نشاطها حتى الموت، وتترأسها امرأة تحمل اسم (سمية الفل) وللمنظمة رتب عسكرية، وتؤكد على مكافحة الاستعمار والصهيونية. وكان تم اعتقال بعض أعضائها في تشرين الأول (اكتوبر) 2008 في مدينة تور الفرنسية، لتوزيعها نشرات تدعو للعنف، ثم اعتقل في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 عدد آخر من الأعضاء في منطقة فال دواز لتوزيعهم نشرات تدعو للعصيان والعنف للخلاص من الاستعمار والصهيونية. معاداة السامية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، كانت تأخذ شكلاً واضحاً، في حين نراها في القرن الواحد والعشرين تأخذ شكلاً صامتاً وسلبياً، وهذا ما يعزز التأثير المتنامي للصهيونية في توجيه السياسة الدولية... وتبقى إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي لا تكترث بمقررات هيئة الأممالمتحدة وتتجاهل تطبيقها إذا كانت تمس مصلحتها. * كاتب سوري