جنيف – عشية انعقاد قمة زعماء مجموعة العشرين في تورونتو، نجد أنفسنا مرة جديدة على أبواب منعطف حاسم. فعلى رغم الانتعاش الاقتصادي الهش، سجّلت البطالة العالمية أعلى مستوياتها على الإطلاق بمقدار أكثر من 210 ملايين شخص، ما يوجب علينا استحداث 470 مليون فرصة عمل جديدة في السنوات ال10 المقبلة من أجل استيعاب الداخلين الجدد الى أسواق العمل. وبلغ معدل البطالة بين الشباب مستويات غير مقبولة تعاكس المكاسب التي تحققت في خفض عدد الفقراء العاملين الذين يعيشون على أقل من دولار وربع للشخص في اليوم، بينما يتفاقم الاقتصاد غير المنظم والعمل المستضعف. إن الإحساس بالظلم الاجتماعي، الذي كان يُعتبر في ما مضى مشكلة في البلدان النامية اساساً، آخذ في الانتشار بسرعة في العديد من البلدان المتقدمة. وتتزايد التوترات والاضطرابات الاجتماعية في شكل احتجاجات شعبية ضد تدابير التقشف وطلباً لفرص العمل. لا يزال هناك وقت لتغيير هذه الأوضاع. لكن لا بد لنا من اتخاذ الخيارات الصحيحة. منذ ثمانية أسابيع خلت، كان «توافق بتسبورغ»، أي القرارات التي اتخذتها مجموعة العشرين في قمتها المعقودة في تلك المدينة في أيلول (سبتمبر) الماضي، على المسار الصحيح بصفته النهج المناسب لمعالجة الأزمة. هو ينص على وضع فرص العمل الجيدة في صميم الانتعاش والانسحاب التدريجي من التدابير التحفيزية بينما يقوى الانتعاش في الاقتصاد وفي فرص العمل. لكن وفي شكل مفاجئ، اصبح الاتفاق على هذا النهج الاقتصادي والاجتماعي تحت الضغط. ودفعت المخاوف من أزمة الديون السيادية والعجز المتنامي في أوروبا الى اتخاذ قرارات لخفض الإنفاق الاجتماعي ورفع الضرائب والسعي الى تدابير تقشف كبيرة. ويظهر التاريخ ان خطوات مماثلة قد تعرض للخطر الانتعاش الذي نحاول تحقيقه. ونعلم ايضاً انه سيتأتى بالتأكيد عن مثل هذه التدابير تباطؤ في الانتعاش في فرص العمل في الأجل القصير. سيطرت هذه الشواغل على المناقشات التي دارت في مؤتمر العمل الدولي الذي اختتم لتوه، وهو الاجتماع السنوي لمنظمة العمل الدولية. والمؤتمر هو لقاء فريد يجمع اكثر من أربعة آلاف ممثل عن الحكومات وأصحاب العمل والعمال، أي ممثلي «الاقتصاد الحقيقي». وأعربت أصواتهم عن قلق وخوف وإحباط حول تطور الرد على الأزمة، واحتمال ان تضيع حتى المكاسب الضئيلة التي تحققت حتى الآن في الانتعاش الاقتصادي لجهة استحداث فرص العمل والمنشآت المستدامة ودعم العاطلين من العمل. ويمكن تلخيص توقعاتهم في النقاط التالية: أولاً، نحن في حاجة الى استراتيجية متوازنة لاتساق السياسات، تحمي الاستثمارات المنتجة والنمو الغني بالوظائف وتشجعهما، وذلك بطريقة مسؤولة من الناحية المالية. ثانياً، نحن في حاجة الى نمو يولّد فرص عمل لائقة. ويعني ذلك مواصلة الوفاء بالتزامات بتسبورغ من اجل «وضع فرص العمل الجيدة في صميم الانتعاش». ثالثاً، يجب ان نتأكد من أن الناس خصوصاً العمال الشباب، يتمتعون بالمهارات اللازمة لشغل فرص العمل المستحدثة. رابعاً، يجب ان يكون استحداث فرص العمل الهدف المنشود للحكومات، الى جانب خفض معدلات التضخم واعتماد السياسات المالية السليمة والأهداف الأخرى على صعيد الاقتصاد الكلي. خامساً، والأهم من ذلك، نحن في حاجة الى نظام مالي يعمل لمصلحة الاقتصاد الحقيقي، وليس العكس. ويُتوقع ان يصل النمو العالمي الى نحو أربعة في المئة هذه السنة. ولكن ما أهمية ذلك بالنسبة الى عامل لا يستطيع تأمين فرصة عمل أو لا يتمتع إلا بحماية اجتماعية ضعيفة في أوقات الأزمات؟ وماذا عن المنشآت الصغيرة التي تواجه صعوبات في الحصول على الائتمان ولا تستطيع الاستفادة من الانتعاش الاقتصادي الطفيف الجاري؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي الإجابة عليها. وخلاصة القول، ان الأسلوب الوحيد للخروج من الأزمة في شكل مستدام هو من طريق إعادة تنشيط الاقتصاد الحقيقي واستحداث مزيد من فرص العمل وبالتالي زيادة الإيرادات الحكومية. وفي الوقت ذاته، علينا بالتأكيد معالجة مسألة العجز المالي والديون السيادية، التي تتطلب حلولاً مستدامة في الأجلين المتوسط والطويل. ولكن يجب ان نبدأ الآن. ويمكن لكل بلد، وفقاً لظروفه الخاصة، صوغ استراتيجيات متوازنة وتدريجية وذات صدقية للخروج من الإجراءات التحفيزية التي أنقذت الاقتصاد العالمي من ركود كان مرشحاً أن يكون أعمق، وحفظت عشرات ملايين فرص العمل او استحدثتها منذ بداية الأزمة. وأودّ أن أعرب عن الدعم القوي الذي أبدته الهيئات المكونة لمنظمة العمل الدولية للمسؤوليات التي قررت مجموعة العشرين ان تتحملها في مواجهة المهام الصعبة المقبلة. وركّزت رسالة الهيئات المكونة على أهمية الحوار السياسي والاجتماعي، وطنياً ودولياً، لإيجاد التوازن الصحيح بين السياسات من اجل معالجة هذه القضايا كلها. إن مستقبل الاقتصاد الحقيقي هو على المحك. * المدير العام ل «مكتب العمل الدولي» في جنيف.