أتى الفرس، وهم عرق هندو - أوروبي، من الشرق في الألفية الثانية قبل الميلاد. رغم هذا، كانت الدول الفارسية القوية (اسم ايران استخدم زمن الساسانيين، ليستبدل بإسم «فارس» حتى عام1935، وقد اعتبر الشاه محمد رضا بهلوي في عام1959 أنهما مترادفان) تتجه غرباً في الغالب الأعم، كما حصل في زمن المملكة الفارسية الأقدم (549-333ق م) التي أسسها قورش، وفي زمن الساسانيين (226-651م) والدولة الصفوية (1501-1736). في هذه الحقب الثلاث، كانت تترافق القوة الفارسية مع ضعف حاصل في المنطقة الممتدة بين نهري دجلة والنيل، ولم يحصل سوى مرة واحدة بتلك الحقب أن كانت القوة المحلية للمنطقة الممتدة بين هذين النهرين هي المساهمة في قلب عملية السيطرة كما حصل ضد الساسانيين بعد معركتي القادسية (637) ونهاوند (641)، فيما حصل هذا ضد المملكة الفارسية القديمة(المسيطرة لمدة قرنين من الزمن على بلاد الرافدين والشام ومصر) من قبل الإسكندر المقدوني الآتي من القارة الأوروبية، ثم جرت الحالة الثالثة المؤدية فقط إلى ترسيم حدود السيطرة (بخلاف الحالتين المذكورتين اللتين أدتا الى سقوط مملكتي قورش والساسانيين) من قبل قوة حاكمة في آسيا الصغرى هي العثمانيون إثر انتصارهم على الصفويين في معركة جالديران (1514) وما أعقبها من فقدان الصفويين السيطرة على شرق العراق وبغداد في عام1534، ثم تكرر هذا من العثمانيين ضد الصفويين في بلاد الرافدين بين عامي1622و1638. في حالات قليلة، حكام فارس يتوسعون إلى مجالي الشرق والشمال: في زمن داريوس (521-486 ق م) امتدت السيطرة الفارسية إلى نهر السند ونحو الشمال لما يسمى الآن بآسيا الوسطى، وهو ما حصل أيضاً في عهد اسماعيل الصفوي (ت 1524) لما احتل الغرب الأفغاني عند مدينة هرات. أثناء اضطراب الدولة الفارسية، في فترة 1736-1794الفاصلة بين المرحلتين الصفوية والقاجارية، حصل انكفاء من حكام بلاد فارس باتجاه الداخل الذي رسم اسماعيل الصفوي معالمه كحدود جغرافية ممتدة بين إقليمي خراسان (عاصمته مشهد) وأذربيجان (عاصمته تبريز) مروراً بالهضبة الفارسية الفاصلة بينهما. في تلك الفترة المضطربة استعيدت تبريز التي احتلها السلطان العثماني سليم الأول في عام1515، وأحكمت السيطرة على خراسان بعد اضطراب ومحاولات انفصال، ولكن، مع فقدان الفرس الغرب الأفغاني بدأ ضعف الدولة القاجارية (1794-1925) نتيجة انحصارها بين قوتين متنافستين هما روسيا القيصرية، المتجهة بقوة نحو «المياه الدافئة» عبر الممرين الفارسي والعثماني، وانكلترا المحتلة شبه القارة الهندية التي رأت مصلحة طوال القرن التاسع عشر في سد هذين الممرين بوجه الروس. في القرن العشرين حصلت حالة ملفتة، تمثلت في كون ايران هي المفتتحة للمراحل التي عاشها اقليم الشرق الأوسط: 1 - الثورة الدستورية (تموز/ يوليو- كانون أول/ ديسمبر1906)، قبل حصول حدث مشابه في اسطنبول في عامي 1908و1909. 2 - أول انقلاب عسكري حصل في إيران من رضا بهلوي في شباط (فبراير) 1921. 3 - افتتاحها تأميم الممتلكات الغربية: (تأميم الشركة الإنكليزية - الفارسية للنفط في أيار1951 بقرار رئيس الوزراء محمد مصدَق، قبل خمس سنوات من تأميم شركة قناة السويس). 4 - سقوط مصدَق في انقلاب آب (أغسطس) 1953كنقطة بدء دشَنت مرحلة كاملة تمثلَت في ملء واشنطن لفراغ قوة لندن في الشرق الأوسط. 5 – صعود الخميني للسلطة في ايران 1979 كبداية لموجة الحركات الإسلامية في المنطقة الممتدة بين مدينتي بيشاور والجزائر. خلال عقدين مضيا، منذ انتهاء الحرب الباردة، حصلت ثلاثة انهيارات لقوى كانت مجاورة لإيران: البناء السوفياتي، سلطة حركة طالبان الأفغانية، نظام صدام حسين. هنا، أظهرت الانشغالات الإيرانية، في أعقاب ما أحدثته تلك الانهيارات الثلاثة من فراغات كبرى للقوة، أن التقليد الإيراني – الفارسي القديم في التركيز على المجال الجغرافي الغربي لبلاد فارس ما زال قائماً، حيث لم تفرط طهران في النشاط من أجل منافسة أنقرةوواشنطن على التركة السوفياتية في القفقاس وآسية الوسطى، وكذلك في أفغانستان ما بعد طالبان على رغم دعمها القديم ل (تحالف الشمال) الذي كان الواجهة الأفغانية المحلية لغزو2001 الأميركي، فيما رأينا موقفاً ايرانياً مختلفاً عن هاتين الحالتين في مرحلة ما بعد سقوط العراق إثر غزو 2003 الأميركي. * كاتب سوري.