قلعة راشيا التي تقع في البقاع الغربي اللبناني تنهض شاهداً على حقبة مفصلية في تاريخ لبنان الحديث. يعود تاريخ بنائها إلى العهد الروماني حيث بنى الرومان حصناً لمراقبة القوافل التجارية، وفي العام 1099 غزا الصليبيون المنطقة واختاروا القلعة حصناً لهم نظراً إلى موقعها الإستراتيجي الذي تحيط به المنحدرات من 3 جهات، ويواجه من الجهة الرابعة قمة حرمون المطلة على الأراضي السورية والفلسطينية واللبنانية. وقد سكنها الصليبيون وأضافوا إليها أبراجاً استعملت كمراكز للمراقبة والدفاع. وخلال الاحتلال العثماني، كانت قلعة راشيا ملكاً للعائلة الشهابية التي أقامت فيها وزادت على بنيانها. وأثناء الاحتلال الفرنسي دخلتها القوات الفرنسية وشيدت سورها الشرقي إلى أن تمركز الدرك اللبناني فيها عام 1946 بعد جلاء الاستعمار. واعتباراً من عام 1964 أصبحت القلعة في عهدة الجيش اللبناني ولا تزال. في العام 1997 صنفتها وزارة السياحة اللبنانية مركزاً سياحياً، وتم ترميم جناح الاستقلال الذي تحوّل إلى مقر سياحي تاريخي نموذجي تسلمته بلدية راشيا للإفادة منه واستخدامه في أنشطة متعددة. كما أمسى أحد مدرجات القلعة بعد ترميمه مسرحاً دائماً يتسع للآلاف وتقام فيه سنوياً مهرجانات الصيف. ودرجت العادة أن يزور القلعة وفق تقليد سنوي ممثلو الرؤساء الثلاثة في لبنان حيث يتفقدون الغرف التي اعتقل فيها رجال الاستقلال، ويدونون كلمات في السجل الذهبي في قاعة الشرف. معالم أثرية وأقبية ومن معالم القلعة النادرة إيوان القناطر في الجهة الجنوبية الشبيه بقناطر قصر بيت الدين، إضافة إلى السراديب التي يبلغ طولها نحو 1500 متر وتقود إلى نقاط بعيدة من الأسوار كان يستخدمها الصليبيون لجلب المؤن والمياه في حال إطالة الحصار على الحصن الذي يزيد ارتفاعه على 1400 متر. وقد حوّل الجيش اللبناني بعض الأقبية والسراديب إلى معارض وقاعات استقبال. وتتصدر المكان لوحتان رخاميتان، الأولى تحمل أسماء مئة وتسعة وخمسين فرنسياً قتلوا خلال معركة 22 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1925. والثانية تحمل أسماء مئة شهيد من راشيا وجوارها سقطوا خلال تلك المعركة في مواجهة الغزاة الفرنسيين. وبالعودة إلى ذكرى الاستقلال، لا بد من استذكار بعض أحداث المرحلة التي اعتقل فيها رجالات الوطن في سجن القلعة. فما أن شاع خبر الاعتقال حتى عم الغضب الشارع اللبناني واشتعلت النخوة في صدور أبناء راشيا وحاصبيا الذين انتظروا إشارة الأمير مجيد أرسلان وزير الدفاع اللبناني في ذلك الحين، الذي أعد خطة مع أحرار البلاد لتحرير القادة المعتقلين في القلعة بعد أن أبلغ رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح تباعاً بالتحركات الميدانية بواسطة حلاق من راشيا أدخل الرسائل بواسطة «موسى الحلاقة»، غير أنهما أبلغاه بضرورة الإحجام عن هذه الخطوة حقناً للدماء ولقناعتهما بأن المحتل الفرنسي لن يستطيع تجاهل التحركات الشعبية. وترتدي القلعة بعداً وطنياً آخر يضاف إلى سجلها الذهبي من خلال وقفة للمقدم اللبناني الشهيد عادل أبو ربيعة ومعه مجموعة من الجيش اللبناني عند مدخل القلعة الجنوبي في وجه الدبابات الإسرائيلية إبّان غزو العام 1982 بعد أن خاطب أبو ربيعة أحد الجنرالات اليهود قائلاً: «ستمر آليات العدو على أجسادنا لتعبر إلى حرم القلعة، وسنموت بشرف من دون أن نراكم تدنسون رمزاً من رموزنا الوطنية». أقسام القلعة قسّم بناء قلعة راشيا التاريخية إلى أربعة أقسام: - بناء وآثار رومانية منها دهليز من الجهة الجنوبية الغربية يؤدي إلى خارجها، كان يستخدم كمدخل لتموين المتمركزين في القلعة. - أبنية وآثار صليبية هي الآبار المنحوتة بالصخر والتي ردمت ولم يبقَ منها سوى بئر واحد صالح للاستعمال، والأقبية السفلية للقلعة وهي القاعة الأثرية الكبرى ومخزن من الجهة الشمالية الشرقية والبرج من الجهة الغربية الجنوبية وهو أعلى نقطة في القلعة. - أبنية وآثار شهابية: في العام 1370 ميلادية، تولى الأمير أبو بكر الشهابي ولاية حاصبيا، وكان يأتي برفقة زوجته وابنته إلى راشيا للصيد والقنص، فبنى له منزلاً داخل القلعة. كما بنى الشهابيون مدخل القلعة والسور والقناطر من الجهة الجنوبية الغربية، وفي صدرها لوحة حجرية منقوشة بدقة. - في العام 1920 دخل الفرنسيون القلعة وأكملوا بناء السور الشرقي مستخدمين حجارة المنازل المحيطة بها. وبعدها عمدوا إلى مسح معالمها الأثرية من طريق ترميم الجدران وطليها بالإسمنت. السوق الأثري يقع السوق الأثري وسط البلدة محاطاً بقرابة 36 بناء قديماً، وهو مرصوص بالحجارة في شكل هندسي متقن وطوله 250 متراً، ويعود تاريخه إلى القرن السابع عشر. وتم رصفه العام 1927 بإشراف السلطات الفرنسية من قبل المعلم الشويري شكري عبدالأحد. واهتمت وزارة السياحة بإعادة ترميمه وإنارته العام 1997، ويصنف من الأسواق الأثرية. وهو السوق التراثي الوحيد في منطقة البقاع. كما يظهر التراث العمراني في راشيا الوادي في البيوت القديمة المبنية بالحجر والمسقوفة بالقرميد الأحمر. فالبلدة ما زالت تحافظ على شكلها التراثي الجميل، وبيوتها القرميدية السطح تزيد على الثلاثمئة منزل لبعضها علية إضافية تدعى «طيارة» ولواجهتها الرئيسية أشكال هندسية مميزة بالقناطر الحجرية. أما لجهة الشكل الخارجي للمنازل القرميدية فهي مربعة بصورة عامة، يعلو مدخل المنزل عند بابه «عتبة كبيرة» فوقها قنطرة نصف دائرية محاطة بدائرتين على يمين الباب الرئيسي وشماله، وهو محاط بنافذتين عن يمينه وشماله أيضاً. ويطل من المنازل شرفات معلقة على نوعين: الأولى على طريقة «المندليون» أي أن ركيزة الشرفة من الحجر، والثانية معلقة على جسر حديد سماكته 20 في 30 سم. وهذه الشرفات مزينة بدرابزين حديد واقٍ على شكل نبال تنتهي كل نبلة بزهرة اللوتس أو بقنطرة على شكل كوفي.