يرى عدد من الخريجين والخريجات الذين لم ينالوا حظهم في التوظيف، بأنه من الأولى إشغال الوظائف المسائية ذات «الرواتب المقطوعة» التابعة لوزارة التعليم بخريجين وخريجات مؤهلين (غير عاملين)، بدلاً من موظفين رسميين يعملون تحت مظلتها بدوامين صباحي ومسائي، ما يجعل عطاؤهم متدنياً نظراً للإرهاق الذي يلازمهم بسبب طول فترة الدوام. واستغرب هؤلاء الخريجين لعدم اكتراث وزارة التعليم في حل قضية «البطالة» التي يعاني منها معظم الشباب من الجنسين الذين يفتقرون إلى دخل رئيس من شأنه تحسين حالتهم المادية وتمكينهم من إعالة أسرهم من جهة، واستغلال طاقاتهم واستثمار إمكاناتهم وإشعارهم بقيمتهم في المجتمع من جهة أخرى، إذ تقتصر الوزارة وظائفها (المسائية) المتوافرة في عدد من مشاريعها على موظفيها الرسميين الذين هم على رأس العمل صباحاً، ذكوراً كانوا أم إناثاً، برواتب مقطوعة ليصبح الموظف الرسمي لديها يعمل صباحاً في التعليم العام، ولديه الفرصة في الالتحاق مساءً للعمل بأحد مشاريعها المسائية، ليحصل في نهاية الشهر على أجرين: أحدهما معتمد من وزارة الخدمة المدنية ويحتسب فيه نسبة التقاعد ويكفل له حقوقه كافة أياً كان «معلماً أم مديراً أم مشرفاً... إلخ»، وآخر مقطوع ينتهي بانتهاء عمله وقابل للتجديد سنوياً. وعلى رغم توافر ثلاثة مشاريع تعليمية (مسائية) تابعة لوزارة التعليم تتفاوت مسمياتها ما بين «نادي الحي» و«الحي المتعلم» إضافة إلى مشروع «تعليم الكبيرات» مساءً، الخاص بالمرحلة الابتدائية، والتي تتباين مهماتها ما بين تفعيل دورات في اللغة الإنكليزية والحاسب الآلي، التفصيل والخياطة والتجميل، وتنمية مهارة القراءة والكتابة لدى المبتدئين، وممارسة الفئة المستهدفة من متدرباتها الكثير من الأنشطة التعليمية والترويحية وإكساب المتدربات مهارات علمية تدفعهن إلى سوق العمل والرفع من مستوى وعيهن بمشكلاتهن، والتفاعل مع متطلبات الحياة والإسهام في خفض نسبة الأمية وتوسيع دائرة المشاركة المجتمعية لديهن، في الوقت الذي شمل فيه مشروع «تعليم الكبيرات» الليلي، الخاص بالمرحلة الابتدائية، مناهج مختصره مماثلة للتعليم العام في طبيعتها وفحواها، إلا أن العمل في مختلف أنواعها، يعد محصوراً على موظفيها الرسميين الذين يعملون تحت مظلتها تبعاً لأنظمة ولوائح وزارة التعليم التي تشترط الالتحاق بالعمل المسائي على من هو من منتسبيها رسمياً فقط. وفي هذا السياق ذكرت الخريجتان مها البارقي ومنيرة العنزي ل «الحياة»: «بعد سماعنا عن افتتاح الوزارة مشروع (نادي الحي) قبل بضعة سنوات، لم نتأخر في تجهيز الملف الأخضر العلاقي الذي يحوي جل وثائقنا وشهاداتنا الجامعية وتقديمه للمسئولين في شتى إدارات التعليم على مستوى منطقة الرياض، عل وعسى أن يتم قبولنا لكننا صدمنا برد المسؤولين للأسف لوائح وأنظمة الوزارة لا تسمح التحاق الغير منتسبين لها العمل في مشاريعها المسائية لتذهب آمالنا وطموحاتنا أدراج الرياح». في حين أن افتتاح مشروع «الحي المتعلم» في عدد من أحياء المنطقة الشرقية والوسطى والغربية، دفع عدد من الخريجات منهم هيا القحطاني وهدى العتيبي وليلى الفهيد ورؤى محمد التقديم على إداراتها، ليتفاجأن بأن العمل داخل أسوارها مقتصراً أيضاً على الموظفين المنتسبين للوزارة ممن هم على رأس العمل صباحاً، بحسب قول المسؤولين «في حين تذمر عدد آخر من الخريجات نظير اقتصار (تعليم الكبيرات) المسائي على الموظفات الرسميات أيضاً، ما أسهم ذلك في تثبيط هممهن وتوصيد جل أبواب العمل التعليمي المسائي في وجوههن». ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل أكد مصدر مطلع (تحتفظ «الحياة» باسمه) أن «المعلمات الرسميات اللاتي يقتصر عملهن على (تعليم الكبيرات) مساءً الخاص بالمرحلة الابتدائية، ولا يتجاوز ساعات عملهن ثلاث ساعات يومياً، يتقاضين الراتب نفسه والأجر للمعلمة التي تقوم بمهمات التعليم العام صباحاً، على رغم اختلاف عدد ساعات العمل وتباين المهمات والفئة المستهدفة بينهن، فعلى سبيل المثال: معلمة التعليم العام صباحاً لا يقل عدد ساعات عملها عن ست ساعات يومياً، تطالب على إثرها من إدارتها بتفعيل ريادة، أنشطة وإذاعة مدرسية ومناوبة صباحية وتفعيل حصص الانتظار وغيرها من المهمات» إضافة إلى أن الفئة المستهدفة التي تقوم بتدريسها قد تكون «مرحلة ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية» بعكس نظيرتها التابعة لتعليم الكبيرات التي تقتصر الفئة التي تهدف إلى تدريسها على ربات بيوت فاتهن قطار التعليم، ولا تتجاوز مهامها عن شرح الدروس فقط». وأضاف المصدر: «تبعاً لسنوات الخدمة، إذا كانت معلمة التعليم العام صباحاً تتقاضي على سبيل المثال راتب 14000 ريال، فإن معلمة فئة (تعليم الكبيرات) المسائي تتقاضى الراتب نفسه في حال كان عدد سنوات خدمتها مماثل لنظيرتها، ما يستدعي الأمر إعادة النظر في أنظمة ولوائح الوزارة في هذا الشأن». وأوضح المصدر «بالفعل لوائح وأنظمة وزارة التعليم لا تسمح للخريجات والخريجين الالتحاق بمشاريعها المسائية وتقتصر في توظيفها على من هم من يعملون تحت مظلتها من الموظفين الرسميين صباحاً».وعن عدد الكادر التعليمي في تلك المشاريع، أكد المصدر «لا يقل عن خمسة موظفات، ما بين مديرة، وأربعة مدربات، إضافة إلى مستخدمة، أما رواتبهن، فتتباين ما بين مشروع وآخر، ففي مشروع الحي المتعلم تتقاضى الموظفة 3600 ريال شهرياً، في حين تتقاضى الموظفة في مشروع (نادي الحي) 4300 ريال شهرياً».وعلى رغم تواصل «الحياة» منذ أكثر من ثلاثة أشهر مع المتحدث الرسمي لوزارة التعليم مبارك العصيمي وإرسال خطابات متكررة له عبر «الإيميل» ورسائل «الواتس أب»، للاستفسار عن هذه القضية ومعرفة رد الوزارة على تلك الاتهامات، إلا أنه لم يرد حتى لحظة كتابة هذا التقرير. ووفقاً لإحصاء وزارة التعليم التي أجرتها عام 1429-1430ه، فبلغ عدد نوادي الحي في مختلف مناطق المملكة 400 نادٍ، منها 164 نادي للبنات و236 ناد للبنين، في حين بلغ عدد مدارس تعليم الكبار الليلي للذكور 762 مدرسة، أما مدارس الكبيرات الليلية فبلغت 3270 مدرسة، فيما تجاوز عدد مشاريع (الحي المتعلم) 12 مشروعاً على مستوى المملكة، جلها تزخر بموظفين رسميين. مستشار يطالب ب «تطويع» سوق العمل أكد المستشار في قانون الاستثمار الدكتور ماجد الهديان «أن اقتصار الوظائف المسائية على من هم على رأس العمل صباحاً، من شأنه حصر الثروة الاقتصادية على فئة معينة، في الوقت الذي نجد فيه أن التحاق الموظف الذي يعمل صباحاً تحت مظلة وزارة ما هو نفسه الذي يعمل في وظيفة مسائية براتب مقطوع، كفيل بحرق طاقاته، وخلق محاباة بين الموظفين بعكس الحال، إذا تم توزيع الوظائف على أكثر من شخص، وبالتالي نكون قد أوجدنا مصانع للإنتاج البشري، وبادرنا في استغلال الموارد البشرية وسد حاجة أكثر من شخص واستثمار إمكانات الآخرين، ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل إن ذلك سيسهم في دورة رأس المال وتضاعف الثروة الاقتصادية وتداول المال وإتاحته لأكثر من شخص، ما يؤدي إلى إيجاد فرص عمل، وتحريك للمال مما يعود بالنفع على الاقتصاد بشكل إيجابي، مثل استئجار منزل وشراء سيارة ولوازم وحاجات، من شأنه تفعيل حركة للدورة الاقتصادية». وأضاف: «الدولة تصرف على التعليم بلايين وموازنات ضخمة، من المجحف ألا يتم استغلال مخرجاتها في ما هو متاح في سوق العمل». وطالب الهديان المستشار في قانون الاستثمار مختلف الوزارات بعدم حصر الوظائف المسائية داخل أروقتها على من هم على رأس العمل صباحاً، وتطويع سوق العمل تبعاً لما يحتاجه من قوى بشرية مؤهله للعمل فيها. مبيناً: «إذا كانت لوائح وأنظمة وزارة بعينها تمنع إلحاق غير موظفيها الرسميين بالعمل في الوظائف المسائية مقطوعة الراتب، فلابد من إعادة النظر في تلك اللوائح والأنظمة، وهو أمر غير مستحيل، إذ من المنطق تعديلها وتغييرها تبعاً لما يلبي حاجات المجتمع، فإذا كان العمل مقابل 3 آلاف ريال أمراً يرفضه المجتمع سابقاً، أصبح أمراً مقبولا لديه في هذه الآونة». وأضاف: «إذا كانت المعضلة تعود على الجهة التشريعية لهذه اللوائح، فماذا يمنع من إيجاد تشريع يسمح لأولئك الخريجين الالتحاق بالوظائف المسائية بحيث نضمن استفادة الكل واستثمار طاقاته، ليس ذنبه إذا لم تتوافر له وظيفة رسمية صباحاً أن يحرم أيضاً من نظيرتها المسائية». بدوره أوضح المحامي بدر الشاطري «ليس من العدالة منح الفرص لفئة معينة من المواطنين من دون غيرهم لما يكون فيها اقتصار ثروات البلد على موظفين بعينهم من دون غيرهم، إذ إن من باب المصلحة الوطنية فتح المجال للخريجين للالتحاق بالوظائف المسائية المتاحة». ومن ناحية قانونية، أشار إلى أن «اشتراط وزارة التعليم إلحاق المؤهلين للعمل في وظائف مسائية على من هم على رأس العمل في قطاعاتها صباحاً، يعد افتراضاً ولوائح داخلية تابعة للوزارة، بإمكانها التراجع عنها، كما أن من صلاحياتها توظيف خريجين وعاطلين مؤهلين ليكونوا من أحد منتسبيها ويعملون في وظائفها المسائية بموجب (عقود) أسوة بمن يعملون في مختلف الوزارات بمسميات عدة أيا كانت (بند تشغيل، تدريب منتهي بالتوظيف...إلخ)، إذ لها أن تطلق علي عقود ملتحقيها أي اسم، المهم أن تعمل على توظيفهم بعقود مرجعها نظام العمل الذي ينظم العلاقة بين العامل ورب العمل بموجب عقد مكتوب محدد الوقت والأجرة والمكان. وأشار الشاطري «من حق الوزارة التعاقد مع خريجين مؤهلين في حال وجدت الحاجة إلى ذلك تماماً مثل تعاقدها مع موظفين أجانب تعج الوزارة بهم بموجب علاقة تعاقديه يضمنها نظام العمل». تدني الحال المادية سبب رئيس للمشكلات الأسرية أكد المستشار الاجتماعي صالح العموش أن «70 في المئة من المشكلات الأسرية وحالات الطلاق التي ترد على مكاتب المستشارين سببها يرجع إلى تدني الحال المادية للأسرة، وعجز الزوج عن الوفاء بمصاريف أسرته الضرورية نظير تضاعف الالتزامات المادية عليه من قروض وأقساط، ما يجعل الكثير من الزوجات يلجأن إلى البحث عن عمل لمساندته وإشباع حاجات أبنائهم بلا جدوى نظير عدم توافر شواغر وظيفية». وأوضح أن «اقتصار الوظائف المسائية برواتب مقطوعة على من هم على رأس العمل صباحاً، يعد حرماناً لأمثال هذه الفئات من الخريجات على رغم ما يملكنه من مؤهلات، بل أن ذلك يجعلهن عرضة للابتزاز والسؤال واستجداء الجمعيات الخيرية». مضيفاً: «يرى البعض أن الألف والألفين أمراً غير مجدي، ولا يدرك أنه يعني الكثير لفئات في أمس الحاجة له، بل إنه كفيل بسد ثغرة الحاجة لدى أسرتها ويسد رمق جوعها ويمنعها من ذل السؤال وبيع عرضها، كما يسهم في استقرار الأسرة وإدخال السعادة عليها وحفظ كرامتها». وذكر العموش أن «المحتاج يدرك قيمة الريال قبل الألف، فهناك مطلقات وأرامل وأخريات متزوجات يقبع أزواجهن في السجون وأخريات أزواجهن مدمنين مخدرات ولا يعملون، ما يستوجب الأمر إعادة نظر الجهات المسئولة في إسناد الوظائف المسائية لأمثال هؤلاء الخريجات اللواتي يفتقرن إلى دخل رئيس بعكس أولئك الموظفين الذين يلتحقون بالعمل تحت مظلة الوزارة مساءً وهم على رأس العمل صباحاً ويحظون بدخلين راتب صباحي وآخر مقطوع مسائي». وأشار إلى أن «الأسرة بمنظومها اليوم وتطلعاتها، تضطر إلى البحث عن الاستقرار وتحقيق العيش الكريم والمسكن المستقل، وهذا لا يحدث إلا بمشاركة الزوجين وعملهما لتأمين الحياة الاقتصادية لأبنائهم حتى ينجحوا ويكونوا أسوياء في شتى المجالات آياً كانت تعليمية، صحية وغيرها». وأوضح العموش أن «إعانة هذه الفئة من المؤهلين منهم من خلال فتح مجال العمل المسائي لهم، من شأنه تقليص 70 في المئة من القضايا الأسرية التي تشهدها أروقة المحاكم وأقسام الشرطة التي يكون سببها غالباً تدني الحال المادية».