بدت الصحف البريطانية في الأسابيع الماضية وكأنها تتحرّق شوقاً لكشف سر يجلس كحمل ثقيل على كاهلها. فلا يكاد يمر يوم إلا وتنشر صحيفة ما نُتفاً عن قصة تتعلّق ب «خيانة» يُزعم أن بطلها أحد زوجين مشهورين، لكنها لا تسميه، ولا تسمي مهنته، ولا مكان إقامته. لا تشير إلى لون بشرته، ولا إلى طول قامته أو قصرها، ولا أي شيء يمكن أن يشير إلى هويته أو هوية شريك أو شريكة حياته. ولهذا الإغفال المتعمّد سبب وجيه. فهناك قرار قضائي يحظّر كشف هوية الشخص المعني، إلتزاماً بحقوقه الشخصية أو حرصاً على ألا يتأثّر أطفاله بخيانته. لكن المشكلة أن هذا الحظر لا ينطبق سوى على وسائل الإعلام في إنكلترا ومقاطعة ويلز، ما يجعل القصة متاحة مثلاً في الصحف الأسكتلندية، أو حتى الأميركية. وهذا تحديداً ما حصل، إذ نُشرت الفضيحة في وسائل إعلام في هذين البلدين، وهو ما يُفسّر «تحرّق» صحف إنكلترا لكشف السر الذي بات خبراً قديماً في وسائل إعلام كثيرة، بإستثناء الإنكليزية منها. وعلى رغم نشر وسائل الإعلام الأميركية والأسكتلندية تفاصيل الفضيحة بما في ذلك إسم بطلها والعلاقة «الثلاثية» التي تمت بينه وبين «زوجين» آخرين، إلا أن محكمة النقض في لندن أصرّت على قرار منع النشر الذي يسري ليس فقط على وسائل الإعلام المكتوبة أو المرئية أو المسموعة في إنكلترا وويلز، بل أيضاً في صفحات التواصل الإجتماعي، بحيث يُعتبر من ينشر الإسم بأي طريقة من الطرق، على «تويتر» مثلاً، منتهكاً لحرمة القضاء ويمكن أن يُلاحق قانوناً. وأثار التمسّك بقرار حظر النشر جدلاً في وسائل الإعلام الإنكليزية التي رأت أن من غير الصواب لجوء شخص مشهور إلى المحكمة لإخفاء خيانته لزوجه أو زوجته. كما جادلت الصحف في شأن كيفية تطبيق الحظر في إنكلترا، بينما يكون النشر متاحاً في أسكتلندا، علماً أن البلدين مفتوحان على بعضهما من دون أي حواجز حدودية، إضافة إلى أنهما يشكلان معاً دولة واحدة ضمن المملكة المتحدة (مع ويلز وإرلندا الشمالية). كما جادلت صحف بأن الحظر لم يعد مجدياً في ظل عدم إمكان التحكّم بما تنشره وسائط الإعلام الإجتماعي، التي نشرت على رغم التهديدات القضائية إسم الشخص المعني بالخيانة الزوجية فور نشره في الإعلام الأميركي والأسكتلندي، ما يعني أنه بات متاحاً لملايين البشر. وعادة ما يتحرّك القضاء الإنكليزي في مثل هذه القضايا عندما يلجأ إليه محامو شخص ما، تريد الصحافة نشر مزاعم في حقه. وبما أن الصحف لا تنشر المزاعم سوى بعد سؤال المعني بها، فإن ذلك يمنحه وقتاً للطلب من محاميه التدخّل لدى القضاء لمنع النشر بحجج مختلفة، أكثرها إستخداماً أن الأمر يتعلّق بالحياة الشخصية للفرد ولا شأن للناس بأن يعرفوا بها وفق ما تتيحه قوانين حقوق الإنسان، أو أن النشر يمكن أن يدمّر الحياة العائلية للأطفال في العائلة أو يؤثّر في مجرى حياتهم، كأن يقول لهم زملاؤهم في المدرسة أن الصحف كتبت عن أمكم أو أبيكم أنهما خانا بعضهما بعضاً، وأقاما علاقات عادة ما تتفنن الصحف الشعبية بروايتها بأدق تفاصيلها. وهذا بالتحديد ما بدا أنه محور المزاعم المتعلّقة بالزوجين المشهورين الممنوع نشر إسميهما. فقد نقلت صحيفة «ذي صن» الشعبية عن «عشيق» أحد الزوجين: «عندما تراهما في وسائل الإعلام فإنهما يعطيان الإنطباع أنهما يعيشان حياة عائلية رائعة. لكن هذا غير صحيح أبداً، وهو ما يزعجني جداً». لكن الزوج الذي أقام علاقة الخيانة نجح في إقناع محكمة النقض بأن الأمر لا يجب أن يخرج إلى وسائل الإعلام، وهو ما أيّده القاضي الذي قال في حكمه إن الزوجين موافقان على العيش وفق نمط «حياة مفتوحة» على إقامة علاقات، وأن «الزوجة» في هذه العلاقة موافقة على أن يقيم زوجها علاقات جنسية مع آخرين من وقت إلى آخر. وحظر النشر في قضية الزوجين المشهورين ليس الأول الذي يصدر عن القضاء الإنكليزي، الذي منح في السنوات الماضية ما لا يقل عن 15 شخصية مشهورة أخرى حصانة من نشر المزاعم في حقها. وبين هذه الشخصيات ممثل متزوج معروف دفع 195 جنيهاً إسترلينياً لقضاء ليلة مع المومس هيلين وود (29 سنة) التي اشتهرت سابقاً بأنها قدّمت خدماتها للاعب فريق مانشستر يونايتد واين روني عندما كانت زوجته حاملاً. وحصل هذا الممثل قبل خمس سنوات على قرار لمصلحته منع بموجبه أي صحيفة إنكليزية من كشف علاقته بالمومس التي تخلّت الآن عن هذه المهنة. لكن قصته التي بقيت سراً طوال خمس سنوات ظهرت قبل أيام إلى العلن بعدما نشرت صحيفة أميركية تفاصيل علاقته بوود، ما أثار غضب الصحف الإنكليزية التي وجدت نفسها مجدداً مكبّلة بقرار منع نشر إسم الممثل الذي بات معروفاً على نطاق واسع خارج بريطانيا. ومع لجوء صحف عالمية إلى خرق قرار حظر النشر الإنكليزي الذي لا يسري عليها، لا شك في أن أشخاصاً معروفين يخشون أن يأتي الدور عليهم الآن في فضح الأسرار التي منعوا الصحف الإنكليزية من نشرها. ومن بين هؤلاء لاعب رياضي معروف عالمياً نجح في آب (أغسطس) العام الماضي في إستصدار حكم قضائي يمنع صحيفة «ذي صن» من نشر خبر علاقته بأنثى من مشاهير إنكلترا. وبينهم أيضاً مدرّب فريق كرة قدم يلعب في الدوري الإنكليزي الممتاز يُزعم أنه أقام علاقة خارج إطار الزواج، ونجح على رغم ذلك في الحصول على أمر بمنع النشر. والواقع أن القضاء الإنكليزي لم يقبل الطلبات التي تلقاها من مشاهير في إنكلترا لمنع نشر فضائحهم الجنسية، ومن بين هؤلاء لاعب مانشستر يونايتد السابق رايان غيغز (الذي أقام علاقة مع زوجة أخيه)، وفرد غودوين (أقام علاقة من وراء ظهر زوجته مع مديرة في مصرف)، والإعلامي أندرو مار (علاقة مع إعلامية مشهورة)، والشخصية التلفزيونية المشهورة جيريمي كلاركسون، ولاعب تشلسي جون تيري.لكن بغض النظر عن نجاح الشخصيات المشهورة في نيل أحكام قضائية بمنع النشر أو فشلها، فإن قصة الإعلام الإنكليزي «المكمم» مع الإعلام الأسكتلندي أو الأميركي «المفضوح» تشي بأن العلاقات العاطفية المحظور نشرها لن تبقى محظورة طويلاً في عالم إنترنت لا يعرف قيوداً.