شكلت زيارتا كل من البطريرك الماروني نصرالله صفير ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لفرنسا مناسبة أكدت الأوساط الفرنسية خلالهما اهتمامها بلبنان ودعمه. لكن الزيارتين شكلتا أيضاً مناسبة أدركت عبرها الأوساط في كل من الرئاسة ووزارة الخارجية، أن التقارب الذي أقدم عليه الرئيس نيكولا ساركوزي مع سورية لم يعط حتى الآن النتائج المرتقبة، على رغم إنجاز بعض الخطوات مثل تبادل السفراء بين بيروت ودمشق ووقف التدهور الأمني والاغتيالات. وهذا لا يعني أن فرنسا ستعدل عن انفتاحها على سورية لكنها تنتظر منها المزيد سواء على صعيد العلاقات الثنائية أم على الصعيد السوري - اللبناني. أما على الصعيد الإقليمي، حيث كان ساركوزي موعود بدور معين على المسار السوري - الإسرائيلي في حال توصل الجانبين الى مفاوضات مباشرة، فإن التعطيل سببه رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو للوسيط التركي، الذي وصفه خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي بأنه منحاز الى الجانب العربي وفقد حياده. وترى أوساط فرنسية عدة أن سورية غير مستعجلة بكل الأحوال وأن الرئيس السوري أكد لنظيره الفرنسي أنه لا يريد وسيطاً آخر سوى الوسيط التركي. إذاً، لا جديد على هذا الصعيد، إضافة الى أن التطورات في لبنان عززت الموقع السوري فيه، مع تنفيس أو انخفاض الرغبة السيادية ل «قوى 14 آذار» التي لا تزال موجودة على الأرض لكنها شاهدت ديناميكية مساعيها السيادية تنحصر مع عودة زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط لدمشق، وخصوصاً في ضوء النهج الجديد لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، والذي قضى بالحفاظ على قدرته على العمل عبر علاقات جيدة ومميزة مع الرئيس بشار الأسد، علماً بأن رئيس الجمهورية ميشال سليمان أيضاً على الخط نفسه وكذلك قائد الجيش. وبالتالي فإن سورية استعادت تأثيرها عبر أركان الحكم في لبنان على رغم بقاء «قوى 14 آذار» على الساحة السياسية والشعبية. أما بالنسبة الى نتائج العمل الحكومي الحالي فلا أحد في الخارج يعمل على تقييمه لأن الجميع يتفهم صعوبة الوضع، فيما الحريري عازم على البقاء على رغم كل الصعوبات التي يواجهها، وفي حين لا بديل منه لقوى الغالبية، والقوى الإقليمية لا تعرقل بقاءه. إنما السؤال المطروح حالياً والذي لا يمكن أحداً الإجابة عليه في الخارج هو: كيف سيتفاعل الحريري ويدير نتائج المحكمة الدولية والقرار الظني؟ الأوساط المعنية بالملف تراهن على أنه سيعمل على تهدئة الأمور والاستمرار في رئاسة الحكومة، إلا أن هذا من قبيل التكهنات، لأن الحريري لم يدل بأي جواب على هذه الأسئلة مكتفياً بالقول إنه مع العدالة وما ينتج منها. وترى الأوساط الفرنسية بشيء من الارتياح نشاط الموسم السياحي والقطاع المصرفي في لبنان، لكنها أيضاً مدركة أن سورية لن تتخلى عن أوراقها الإقليمية وعلاقتها ب «حزب الله» وإيران طالما ليس هناك حل سلمي في المنطقة. وساركوزي الذي يبقى نتانياهو حليفه الأفضل، بدأ يستاء من قلة رؤيته ورفضه السلام مع الفلسطينيين ومع سورية. وبعد زيارتي صفير وجعجع هناك تساؤلات حول احتمال استقبال باريس للعماد ميشال عون. فالأسد كان شجع ساركوزي على ذلك، كما أن الرئيس الفرنسي أثار الموضوع مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وكانت إسبانيا استقبلت عون ثم جعجع، وهو ما كانت أوساط فرنسية اعتبرته بمثابة تدخل في السياسة اللبنانية وهذا ما تطلب فرنسا من سورية الامتناع عنه، فكيف تقوم هي بالمثل؟ إلا أن ساركوزي كثيراً ما يتخذ قرارات تدخل في حساباته السياسية، وقد يقوم بخطوة لاستقبال عون لكن هذا غير مبرمج حالياً، لكن زيارة صفير كما يقول مراقب للديبلوماسية الفرنسية فتحت الباب أمام احتمال دعوة عون.