قبل التصويت على قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات جديدة على ايران بشهر واحد، لم يكن مطروحاً أن تصوت تركيا ب «لا» على القرار. والتصويت ب «نعم» كان مستبعداً تماماً منذ مدة طويلة. والأتراك كانوا مقتنعين بأن تركيا ستصوت، ويجب أن تصوت على الحياد، أو ترفض التصويت. وقد يقول بعضهم أنه لا فرق بين الأمرين لأن الحياد وترك التصويت مع القرار مؤداهما إحداث شرخ كبير في العلاقات بين تركيا وحلفائها في الغرب، وفي مقدمهم الولاياتالمتحدة الأميركية. لكن ما لا يدركه بعضهم هو أن التصويت ب «لا» على القرار جعل تركيا تبدو كمن يقف مع ايران من منطلق ايديولوجي أو كمن يدعم سياسات ايران وخططها. وهذا يرتب نتائج جدية وسلبية على علاقات تركيا بالغرب، وعلى كثير من الخطط التركية، بل وعلى علاقات حزب العدالة والتنمية الحاكم بالغرب الذي طالما دعم حكمه وأيده. والحق أن صانعي السياسة الخارجية في تركيا، والساعين بأيديهم وأسنانهم من أجل حجز مقعد في مجلس الأمن، كانوا يدركون انهم يخوضون اختبار ايران، وكانوا على علم بأنهم قد يقعون في مأزق، وعليهم الانحياز الى طرف. فلعبة العلاقات الجيدة بالأطراف كلها ليست متاحة بعد الآن. والتصويت ب «نعم» مع قرار العقوبات يعني انهيار نظرية «صفر مشكلة» مع الجيران. والتصويت ب «لا»، أو على الحياد يعني ان تركيا تتخلى عن منقلبها الغربي وتحالفها معه. وعلى هذا ربما خرج وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بما وصفه بالموقف الأخلاقي الملزم لتركيا بالتصويت برفض القرار، وذلك انسجاماً مع اتفاق تبادل اليورانيوم الذي يؤكد داود أوغلو أن ايران وافقت عليه في آخر لحظة، مرغمة بعد الحاح تركيا وحملة ديبلوماسية كثيفة. وقد لا يقتنع هؤلاء بأن الجهد الديبلوماسي اقنع ايران. وقد تكون ايران أوهمتنا بأنها اقتنعت بينما هي جرتنا الى هذا الفخ. وعندما بدأ مجلس الأمن يناقش مشروع العقوبات، آذن ذلك بوفاة اتفاق التبادل. فلم يبق هناك الزام أخلاقي باتفاق ميت! ويبقى سؤال واحد مهم لم يجب عنه أحد وهو: لماذا قدم الرئيس أوباما ضمانات خطية، قبل ثلاثة أسابيع من اتفاق التبادل، بقبول اتفاق تبادل 1200 كيلوغرام فقط من اليورانيوم، وليس الكمية كلها، أي قبول صيغة لا تقوي ثقة الغرب بإيران؟ هل هو ثمرة تخبط أميركي أم نتيجة سوء تنسيق؟ والى الآن ترفض واشنطن تفسير هذا الموقف الغريب. ولعل تحليل داود أوغلو للموقف الأميركي، قبل فرض العقوبات، أشد غرابة. فهو قال، عقب لقائه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ان واشنطن تتوقع رفض طهران اتفاق تبادل اليورانيوم، وفتح باب العقوبات على مصراعيه. وهي فاجأها قبول طهران. فتظهر تركيا وايران وكأنهما في صف واحد، وهما تسعيان لكسر قواعد اللعبة الأميركية. ولعل الموقف الأخلاقي الذي يتحدث عنه داود أوغلو يعني، حقيقة، الوقوف الى جانب طهران التي تجاوبت مع تركيا، ومعاقبة واشنطن التي استخفت بقدراتها. فهذه سلسلة من الأخطاء وسوء التنسيق أدت بتركيا الى الظهور في موقف حليف إيران والمدافع عنها. وربما تتولى إدارة أوباما، من غير أن تدري، توفير الغطاء (الأخلاقي) لحكومة العدالة والتنمية، وتتيح لها إعلان أجندتها الإسلامية الشرقية من غير حرج. * معلق، عن «مللييت» التركية 13/6/2010، إعداد يوسف الشريف