وصف عدد من المحللين السياسيين التحركات السعودية الأخيرة على الساحة الخليجية والعربية والأفريقية ب«النشطة»، مؤكدين أن هذا التحرك نجح في محاصرة التمدد الإيراني، ووقف تهديده للأمن الإقليمي والاستقرار في دول المنطقة. وفيما لا تزال السياسة السعودية تواصل دأبها في تنشيط وجودها الاستراتيجي في محيطها الدولي، لمنع ومحاصرة كل من يهدد أمن واستقرار المنطقة، تبرز أبعاد الرحلات المكوكية التي يقطعها وزير الخارجية عادل الجبير نحو دول القارة السمراء أو دول آسيا الوسطى ذهاباً وإياباً، والتي يقابلها حراك نشط في العاصمة الرياض، التي باتت مقصداً مهماً لرؤساء ووفود الدول الأفريقية والآسيوية لتحقيق هذا الهدف. يرتكز التحرك السعودي على ثوابت راسخة يدعمه شعور بخطر بات يهدد بشكل قاطع أمن الدول الإقليمية كافة وليست العربية وحدها، نتيجة لتمدد الدور الإيراني السلبي حد ضربه بعرض الحائط لسيادة دول المنطقة والقوانين الدولية، التي تجرّم التدخل في شؤون الدول الداخلية من أية دولة أخرى. وفي هذا السياق، قال عضو مجلس الشورى محمود البديوي ل«الحياة»: «إن حزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تجاه تجاوزات إيران وتدخلاتها في بعض الدول الإسلامية جاء واضحاً في كلمته خلال القمة الإسلامية ال13 المنعقدة في إسطنبول، والتي شدد خلالها على أهمية إيجاد حلول للأزمات الناتجة من تلك التدخلات في سورية والعراق واليمن». فيما قال رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية محمد السلمي ل«الحياة» إن الديبلوماسية السعودية نجحت في محاصرة إيران سياسياً في المنطقة الخليجية ثم العربية وأخيراً الإسلامية، وتم استصدار عدد من القرارات والإدانات للسلوك الإيراني في المنطقة، ولدعمها للجماعات والميليشيات الإرهابية، إضافة إلى إثارتها للنعرات المذهبية والصراعات الطائفية في المنطقة. وأضاف أن المجتمع الدولي دان كذلك الاعتداء على البعثات الديبلوماسية السعودية في مشهد وطهران في كانون الثاني (يناير) الماضي، ما قاد إلى قطع أو خفض التمثيل الديبلوماسي مع إيران، وإيقاف الرحلات الجوية والتبادل التجاري بين السعودية وإيران. ويعتقد السلمي أن المملكة ستستمر في محاصرة إيران على الأصعدة كافة، وستستثمر قوتها الديبلوماسية وعلاقاتها مع دول العالم لفضح الممارسات الإيرانية في المنطقة والعالم، لتضطلع تلك الدول بدورها في مواجهة هذه التصرفات الإيرانية التي تنتهك الأعراف والمواثيق الدولية كافة وعلاقات حسن الجوار. الحضور السعودي في أفريقيا كان في ما سبق مشفوعاً بدور ديني، وجاء في المقام الأول معنياً بالأنشطة الدعوية والتربوية في أوساط الأفارقة المسلمين الذين يشكِّلون غالبية في منطقة الساحل وغرب القارة، إذ تكفلت المملكة والمنظمات المدنية الداخلية ببناء ورعاية مئات المساجد في الأقطار الأفريقية كافة ذات الأكثرية والأقليات المسلمة، وببناء وتشغيل عشرات الجامعات والمراكز الإسلامية الثقافية ومئات المدارس، وتقديم عشرات آلاف المنح الدراسية لأبناء الدول الأفريقية كافة، فضلاً على بعثات المعلمين والدعاة، وقدمت ما يصعب حصره من المساعدات الإغاثية والإنسانية للمتعرضين للكوارث الطبيعية والحروب الأهلية في الأقطار الأفريقية كافة. ومع قيام الثورة الإيرانية عام 1979 وبروز مشروع الخميني الداعي إلى تصدير الثورة، يمم الإيرانيون وجوههم شطر أفريقيا، واتخذتها ساحة مستباحة لنشر التطرف والطائفية. وعملت إيران 30 عاماً من خلال المنظمات والهيئات الأهلية والمراكز الثقافية والمشاريع الاقتصادية، والعمل الديبلوماسي والإعلامي، على بناء كيانات ومقبولية للفكر المتطرف في تلك القارة السمراء، حتى باتت سبباً في إشعال كثير من الصراعات في تلك الدول. ونظراً لأن تلك الدول الأفريقية تتمركز على الساحل الآخر من البحر الأحمر الذي تنام السعودية على شواطئه، فضلاً على إطلالتها على مضيق باب المندب والعمق الأفريقي الذي تتنافس عليه القوى الإقليمية والدولية، كان لزاماً والأمر كذلك بالتحرك لوقف هذا العبث الإيراني، وكف يد طهران عن محاولاتها في إثارة الفتن والاضطرابات في هذه المنطقة المهمة عالمياً. وبدأت أولى نتائج إعادة تقويم السعودية لحضورها بقارة أفريقيا عبر السودان، البلد العربي الذي استعاد حضنه الأثير بعد ارتباك العلاقات أخيراً، وإيثار طهران على بقية جيرانها العرب. وأثمرت زيارات عمر البشير المتكررة إلى السعودية عن مخرجات مرضية للطرفين، وانتظمت السودان في التحالف العربي ضد الحوثيين وقوات المخلوع صالح، وعملت على تجفيف الوجود الإيراني على أراضيها وإحلال البديل السعودي في ظل سياسته الجديدة تجاه أفريقيا. المحلل والكاتب السياسي خالد الزعتر قال في قراءة مختصرة لتلك الخريطة الجديدة ل«الحياة» إن بوادر العزلة الإقليمية التي تعيشها إيران بدأت تظهر نتائجها في الداخل الإيراني، بعد تصريحات للرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، إذ كتب في تغريدة على «تويتر»: «إن المستقبل في الحوار لا الصواريخ». ما يؤكد وجود غضب من السياسات التي أدت إلى قطع العلاقات مع إيران، وربما تنذر مثل هذه التصريحات المحسوبة على التيار المعتدل في طهران والتي تعكس وجود خوف من عودة أحداث 2009 أو ما تسمى ب«الثورة الخضراء»، خصوصاً وأن التيار المعتدل أو الإصلاحي أصبح أكثر قوة، ويحظى بحضور أقوى بعد فوزه بغالبية مقاعد البرلمان ومجلس الخبراء في الانتخابات الأخيرة.