أدرجت المملكة 12 من قيادات حزب الله في قائمة جديدة على لائحة الإرهاب، على خلفية مسؤوليتهم عن عمليات لمصلحة الحزب في أنحاء الشرق الأوسط. وتعهدت وزارة الداخلية في بيان بمتابعة مكافحة أنشطة الحزب الإرهابية، بكافة الأدوات المتاحة، والتواصل مع الشركاء في أنحاء العالم لتحقيق هذا الهدف. إلى ذلك، تُواصل "الوطن" فتح ملف إيران التي في سبيل تحقيق أوهام إمبراطوريتها، اتسم سلوك قادتها بالميكيافيلية، مما أسقط زيف القداسة التي يحاولون التدثر بها، لتبرير مزاعمهم بأحقية بلادهم في الهيمنة على دول المنطقة. ولتبرير تلك المزاعم تظاهرت طهران بتبني القضية الفلسطينية واتخاذها "رافعة عاطفية ودينية"، للوصول إلى أهدافها. وفيما استبشرت بعض الدول عقب وصول حسن روحاني إلى كرسي الرئاسة، تبخر ذلك التفاؤل، بسبب استمرار السياسات القديمة نفسها، وإن كان بوجه أقل تطرفا من الذي كان يحمله أحمدي نجاد.
كثير من النخب السياسية والفكرية والإعلامية العربية لا تتعلم من أخطائها، فإيران المسكونة بأوهام الإمبراطورية القومية الفارسية، والمتلفعة برداء الطائفية تُعيد الكرة في شؤون ليست بعيدة عما يجري في بلادنا، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار ما بين الدول العربية وطهران من تراث سلبي طويل وعميق من الصراعات، لكن حكّام إيران ما زالوا رغم تبدل وتنوع مشاربهم يُصرون على العبث في أخطر القضايا الإقليمية المصيرية، وتبدو أصابعهم حاضرة بوضوح في لبنان وسورية ودول مجلس التعاون الخليجي، ناهيك عن العراق الذي صار "بستان الملالي"، مرورًا بمصر التي تفصلها عن إيران مئات الآلاف من الأميال، وصولا إلى العمق الإفريقي في السودان، ودول وسط وغرب وشمال القارة السمراء، وصولا إلى المملكة المغربية على شواطئ الأطلسي. واتسم سلوك الملالي "الحكّام الفعليين" للإمبراطورية الفارسية بالمبادئ الميكيافيلية حرفيًا، ولهذا فقد سقطت القداسة الزائفة ليحل محلها حلم "الإمبراطورية الفارسية"، متمثلا في استدعاء ماضيها القديم لتبرير أحقية إيران السياسية بالهيمنة الإقليمية، وإعادتها لما تراه "موقعها الطبيعي" المزعوم، وهو قيادة جميع بلدان الشرق الأوسط، وإخضاع شعوبها للإرادة والرؤية الفارسية، ولعل ذلك يُفسر السلوك النرجسي المراوغ الذي يمارسه الملالي والساسة وقادة الجيش والأمن والاستخبارات، ناهيك عن سلوك الاستعلاء التاريخي الذي يمارسه كهنة "الحلم الفارسي" على كافة الدول المجاورة لإيران، مثل العرب والأتراك والأكراد والآذريين والطاجيك والأفغان والباكستان والبلوش وغيرها من الأمم العريقة، التي تُباهي بدورها في حضاراتها وتاريخها وتسعى إلى تعزيز مستقبلها. وسعيًا لتكريس ذلك في الواقع السياسي الإقليمي فقد جرى توظيف كافة المسائل والقضايا التي تطرحها للصدارة بعض الأحداث، والتي تتصدرها القضية الفلسطينية، منذ عهد الخميني سعيًا منه وخلفائه كي تكون "الرافعة العاطفية والدينية" التي سهلت لإيران تحطيم القيود العديدة السياسية والجيوستراتيجية في المنطقة العربية، لكن هذا الاهتمام لا يمكن فهمه إلا عبر زاوية التوسع الإقليمي وتعزيز مكانة إيران، وهذا بالطبع ليس حبًا بالفلسطينيين وقضيتهم بالضرورة، فهناك روح توسعية للقومية الفارسية المُعلنة رغم ذلك الغطاء من "القشرة الطائفية" القابعة في أبعد نقطة بوجدان المسكونين بالأساطير الفارسية. والمتتبع للشأن الإيراني يُدرك أن صُنّاع القرار في طهران على تنوع مشاربهم وتفاوت درجات نفوذهم، سعوا جميعًا إلى تجنيد العملاء سرًا وعلانية، فالمهم هو توزيع الأدوار بين من يحملون "السجادة الفارسية" لتسويقها على كافة الأصعدة، بالكلمة والصورة والمعلومات والتجسس، وتنفق في سبيل تحقيق ذلك بسخاء يسيل له لعاب الكبار قبل الصغار، وإذا نحينا جانبًا ذلك الخطاب المُنمق المخادع الذي يتحدث به بعض المسؤولين أحيانًا، فهناك آخرون يتحدثون بلغة تجمع بين الفجاجة والتبجح عما يعتمل في صدور كبار الملالي والجنرالات وتُجّار البازار، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر تصريحات "علي يونسي"، مستشار الرئيس الإيراني عندما تباهى بأن إيران استعادت وضعها الإمبراطوري الطبيعي، بينما يتحدث كهنة مشروعها التوسعي عن ضرورة تمدد دور طهران إقليميًا ليؤكد الملالي وأتباعهم من الساسة الذين هم واجهة سياسية للولي الفقيه.
الجاسوسية بين نجاد وروحاني وانطلاقًا من رؤية "كهنة الملالي" بأنهم يسعون إلى قيادة العالم الإسلامي وترى إيران نفسها زعيماً للعالم الإسلامي، ذلك فضلاً عن التزامها بحماية الشيعة والمواقع الشيعية الدينية المهمة في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يتسبب في إحداث توترات وانعدام الثقة بين المسلمين، ولعل ذلك يفسر ما كشفته صحيفة "الجارديان" البريطانية من وثائق استخبارية تؤكد تورط عملاء لجهاز أمن الدولة في جنوب إفريقيا، راقبوا قرابة أربعة أعوام أنشطة تجسس إيرانية في المغرب، وكشفت الوثائق مراقبة استخبارات جنوب إفريقيا لأنشطة إيرانية في المغرب بين عامي 2006 و2014، وذكرت المغرب حينذاك تدخّل إيران بشؤون البحرين، وتضمّنت رسائل دبلوماسيّة كشفتها تسريبات "ويكيليكس" مفادها أنّ الملك محمد السادس قطع علاقات بلده بإيران بعدما تيقنت أجهزة بلاده من صحّة تلك المعلومات التي تتهم إيران بالتجسس على المغرب وزرع جواسيسها. وقطعت الرباط علاقاتها الدبلوماسية بطهران في مارس 2009 بسبب "تدخلها بشؤون البلاد الدينية وفق بيان للخارجية المغربية آنذاك، وبعد نحو ستة أعوام على قطع العلاقات المغربية الإيرانية سعت طهران بشتى الطرق إلى إعادة العلاقات بين البلدين، وعلق فرانسوا نيكولو المحلّل الفرنسيّ للسياسات الدوليّة السفير السابق في إيران بقوله: "إن الرئيس الإيراني حسن روحاني، القادم من قلب الأجهزة الأمنية، ومنذ تولّيه السلطة يسعى إلى معالجة النتائج السلبية للسلوك السياسي المتعجرف لسلفه المتشدد أحمدي نجاد لاستعادة العلاقات الطبيعيّة مع الدول العربية قدر المستطاع، وفكّ العزلة السياسيّة والاقتصاديّة عن بلده".
استمرار السياسات يرى محللون سياسيون غربيون أنه لم يحدث تغير يُذكر في عهد روحاني. ويقول أستاذ العلوم السياسية الإيراني الألماني علي فتح الله نجاد إنه لا ينبغي الانخداع بالاتجاه الإيجابي للتحاليل السياسية، فنهج إيران يتسم بالاستمرارية، ويستدرك مؤكدًا وجود صراع أجنحة كل الأطياف السياسية الدينية، لكن هذا لتتحول الأنظار عن الوعي المشترك بين مختلف أجنحة النخبة السياسيَّة، فالقاسم المشترك بينها هو الأولويَّة المطلقة لاستمرارية النظام وتمدده إقليميًا، وتثبيت دعائمه باللعب بعدة أوراق في المنطقة لمساومة الغرب في ملفها النووي من جهة، وترسيخ حضورها عبر منظومة من السياسات التي تتولى فرقا من العملاء والعرّابين والإعلاميين الموالين لنظام الملالي في شتى الدول العربية والإسلامية. ويقول الباحث الشيعي العراقي المعارض لنظرية "ولاية الفقيه" إياد جمال الدين التي كرسها الخميني لتجربة الجمهورية الإسلامية في إيران، ويمتدحها البعض باعتبارها أنضجت الجانب السياسي للحكم، لكن بعض مراجع الشيعة في النجف لا يبدون رضاهم عن ذلك، وهنا يوضح جمال الدين أنه ومنذ عصر الصفويين فالقاجاريين فالبهلويين فإن مجمل التاريخ الإيراني يقوم على أساس ولاية الفقيه منذ 500 سنة، والخميني لم يبتدع هذا المفهوم من العدم، بل استدعاه ليطوره، فولاية الفقيه في العصور القديمة قامت على ثنائية (الشاه والشيخ)، وفي العهد الصفوي صارت السلطة بين الشاه وبين المرجع الديني.