تبدو مباريات كأس العالم الجارية الآن مشحونة إلى الحد الذي لا يمكن معرفة درجة الضجيج الذي يحدث في المدرجات بسبب الآلة الموسيقية المنتشرة في المدرجات المسماة «فوفوزيلا» وهي عبارة عن بوق صاخب يطلق أصواتاً يتردد صداها في أرجاء الملعب، إذ تصل قوة الصوت إلى 127 ديسيبل، في حين أن صافرة الحكم تصدر صوتاً بقوة 121.8 ديسيبل، وهذا الصوت لا بد أن يحدث اختلالاً في منهجية التركيز لدى اللاعبين أو حتى الجماهير المتعطشة لمباريات ممتعة، يقول نجم منتخب البرتغال كريستيانو رونالدو: «من الصعب على أي من كان على أرض الملعب أن يحافظ على تركيزه، فكثير من اللاعبين لا يحبون هذه الأبواق لكن عليهم الاعتياد عليها، كما أن دراسات طبية تحدثت عن احتمال فقدان حاسة السمع لدى اللاعبين بسبب «فوفوزيلا»، لكن رئيس الاتحاد الدولي جوزيف بلاتر دافع عنها معتبراً أنها جزء من الثقافة الكروية الأفريقية، وهي رسالة تأكيد بعدم منع استخدام هذه الآلة في المباريات، والمشكلة أن الشركة المصنعة ل«فوفوزيلا» أصبحت تروج لهذه الآلة في أوروبا، وقد باعت نحو 1.5 مليون نسخة من «فوفوزيلا» في أوروبا منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتوقع أحد المسؤولين عن شركة التصنيع أن تبلغ العائدات من جرائها نحو مليوني يورو خلال المونديال. والمسألة هنا ليست مرتبطة بالتراث كما يدافع رئيس «الفيفا»، بل هي بالنتائج التي تؤدي إلى نفخها طيلة ساعتين باستمرار، فحتى الذين يشاهدون المباريات عبر شاشات التلفزيون يجدون أنفسهم متضايقين من هذه الأصوات المزعجة، ولا نجد تفسيراً لمشجع يحضر لمشاهدة مباراة وهدفه من الحضور النفخ في آلة تحدث ذلك الصوت النشاز، ففي تصريح لوكالة الأنباء الألمانية مع رئيس رابطة أطباء الأنف والأذن والحنجرة في ألمانيا، ديرك هاينريش، في برلين، حذر رئيس الرابطة من الاستماع إلى هذه الأبواق، مضيفاً أنها يمكن أن تؤدي إلى مرض «طنين الأذن» بل والصمم أيضاً. وقال هاينريش إن هذه الآلة يمكن أن تتسبب في أضرار للأذن يتعذر علاجها فيما بعد، إذ إنها تصدر أصواتاً تصل قوتها بحسب رأيه إلى 120 - 130 ديسيبل، ويمكن أن تؤدي إلى آلام حادة في الأذن، ثم يؤدي أثر الضوضاء بالتدريج إلى الصمم، كما يمكن أن ينشأ عن ذلك صفير متواصل في الأذن. وقال هاينريش إن هذه الأصوات المرتفعة ل«فوفوزيلا» تؤدي إلى تمزيق الشعيرات السمعية في الأذن الوسطى، ما يستوجب علاجاً عاجلاً لإعادة حال الأذن إلى وضعها قبل الضرر. ويدافع مسؤولون في اللجنة المنظمة عن هذه الآلة مؤكدين أنه لن يتم منعها لكون الضوضاء جزء من بنية كرة القدم داخل أفريقيا، وتأتي على غرار الألعاب النارية في إيطاليا وأبواق الهواء في هولندا، وهذه الآلة المزعجة لمن لا يعرفها عبارة عن إصدار جديد لأداة تقليدية كانت تصنع من قرن بقر الكود، والمستخدمة حالياً هي نموذج بلاستيكي للآلة الأصلية وتباع خارج الملاعب مقابل 2.50 جنيه استرليني. ويقول نيل فان شالكفيك الذي يعيش في كيب تاون وهو من اخترع «فوفوزيلا» منذ سبع سنوات «فوفوزيلا» المصنوعة في جنوب أفريقيا صاحبة أنقى صوت وهي الأسهل في الاستخدام... يستطيع الطفل الذي يبلغ عمره عامين أن يستخدمها. ومهما اختلفت الآراء والانطباعات حول هذه الآلة، فإنها مجرد دخيلة على كرة القدم وتشوه الوجه الحضاري لمباريات كأس العالم، لكن السماح بها داخل الملاعب له مبرر اقتصادي وهو ما سنضطر معه إلى التكيف مع هذه الأصوات التي نتمنى أن تكون آخر معرفة لنا بها هذا المونديال ثم تختفي إلى الأبد، وألا ينجح ترويجها الحاصل الآن في مختلف بلدان العالم. [email protected]