وصفت بعقوبة (شمال شرق بغداد) بأنها «بيت الانتحاريات» بعد نجاح تنظيم «القاعدة» في تجنيد وتنفيذ قرابة 30 عملية انتحارية بواسطة نساء معظمهن من اهالي المدينة خلال الاعوام الماضية، لكن تشكيل تنظيم مناوئ للانتحاريات في المدينة باسم «بنات العراق» ساعد على تقويض فاعلية «كتيبة الخنساء» التي أعلن التنظيم تأسيسها، وإن كان الاعلان بحد ذاته ما زال يثير قلق الأهالي من وجبة جديدة من الهجمات تنفذها نساء غرر بهن ودفعن الى الانتحار. يرفض محمد لعيبي البالغ 61 سنة، الحديث عن الفتاة «اسماء» التي اعتادت اللعب في حديقة منزله في قرية المخيسة مع بناته الثلاث قبل عشرين سنة. والسبب ان لأسماء التي اصبحت أرملة بعد مقتل زوجها فقدت صورة الطفلة البريئة في ذاكرته بتفجير نفسها أوائل عام 2008. وفيما يكتفي لعيبي ممتعضاً من الحديث بالإشارة الى أقصى الحي مردداً بأن أسماء كانت تقطن مع والدتها في رأس الزقاق. تؤكد زوجته ل «الحياة» أن أقارب لأسماء أكدوا التعرف على ما تبقى من جثتها قرب حسينية خان بني سعد بعد تفجيرها حزاماً ناسفاً كانت ترتديه قبل نحو شهرين. وفي ظل حيرة خبراء أمنيين حول استمرار نجاح التنظيمات المسلحة في تجنيد نساء وإقناعهن بتنفيذ هجمات انتحارية يؤكد مسؤولون أمنيون ان اخصائيين في التحقيقات اعتمدوا، ثلاث فرضيات في عملية تجنيد النساء. وهي الانتقام والفقر وقلة الوعي الديني والثقافي، ما سهل تجنيد ما لا يقل عن 32 امرأة من بعقوبة وحدها بين متطوعة ومسؤولة خلية ومتابعة شؤون الجهاديين «بعد اعتقال ثلاث منهن وأربع مستخدمات لنقل المعلومات مقابل مبالغ مادية». تقول المسؤولة عن تنظيم «بنات العراق» المناوئ لنساء «القاعدة» في بعقوبة هيفاء عادل ل «الحياة» ان «تنظيم «القاعدة» فشل في تنفيذ هجمات كبيرة بواسطة نساء بعد مرور شهر من تشكيل فصيلنا». وأشارت الى أن «التدريبات المركزة التي خضع لها الفصيل مكنه من كشف الانتحاريات بطرق واختبارات عدة». ويؤكد ضابط رفيع المستوى من شرطة بعقوبة ان «المدينة لم تعد حاضنة للتنظيمات المتطرفة ومصدراً لتوريد الانتحاريات بعد أن كانت تخرّج هذا الصنف من النساء منذ 2007 تحديداً». ويضيف ان «تنفيذ هجمات من هذا النوع لم يقتصرعلى محافظة ديالى وحدها بل تجاوزها الى مدن اخرى بعد ارتباط انتحاريات بعناصر قيادية في دولة العراق الاسلامية التي ركزت في عملياتها المسلحة على هكذا هجمات وتمكنت هذه القيادات من توريد انتحاريات الى الموصل والحلة والانبار». وكشف عن ان «معتقلات اعترفن خلال التحقيقات ان سرعة استجابتهن الى التطوع لتنفيذ عملية انتحارية تعود الى اقتناعهن بما سيقدمن عليه لأنهن ذاهبات الى الجنة بحسب الدروس المركزة التي خضعن لها وهذا وحده سبب كاف لإقبالهن على تنفيذ هجمات خصوصاً ان الجدل في الدين يعتبر حراماً بالنسبة الى نساء اعتدن اجواء الالتزام الديني منذ الصغر». وفيما تباينت آراء قيادات أمنية ومنشقين عن تنظيم «القاعدة» في شأن فرضية تنفيذ هجمات انتحارية بواسطة نساء بعد تدني نسبتها أخيراً قياساً بتفجير 21 امرأة انفسهن في غضون الاعوام الثلاثة الماضية. اعتبر مسؤولون ان تفعيل دور «بنات العراق» نجح في الحد من (هجمات الحواري) على حد تعبير الناطق باسم قيادة شرطة ديالى الرائد غالب عطية الكرخي الذي قال إن «الدور الامني والاستخباري والديني ساهم في الحد من هذه الظاهرة التي أصبحت مصدر قلق للجميع». وأوضح ان «نجاح الهجمات التي نفذت بواسطة الانتحاريات لا يعتبر تقصيراً من جانب قواتنا وعناصرنا الامنية بل ما فرضته العادات والتقاليد على عناصرنا هو ما مكن التنظيمات المسلحة في تنفيذ الهجمات». وينذر المشهد الامني في المحافظة المضطربة أمنياً والمختلطة عرقياً وطائفياً بمزيد من أعمال العنف بعد تفجيرات دامية أسفرت عن مقتل 122 شخصاً في غضون الأشهر الثلاثة الماضية في حين يسود اعتقاد لدى غالبية سكان مدينة بعقوبة ان «الهجمات بواسطة النساء تعتبر أمراً وارداً في أية لحظة». وتكشف التحقيقات الأمنية التي جرت مع معتقلات ان المجموعات المسلحة اعتمدت عامل الثأر والدين مصدراً مهماً في تجنيد نساء خصوصاً اللواتي أُطلقن من المعتقلات العراقية او فقدن ازواجهن اثناء التوترات الطائفية والحرب الاهلية التي شهدتها المدينة عامي 2006 و 2007. وتشير المعلومات ايضا الى ان «تردد بعضهن في التنفيذ تسبب بكشفهن واعتقالهن وهن في الغالب لا يمتلكن تحصيلاً علمياً لافتاً كما لا يمتلكن رداً مقنعاً في شأن لجوئهن الى قتل أنفسهن». ويعتبر الثالث من شهر آب (أغسطس) 2007، تأريخاً مميزاً بالنسبة الى الاجهزة الأمنية إثر اعتقال أفراد شبكة تابعة لتنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين كانت تتولى تدريب انتحاريات لتنفيذ عمليات ضد الجيش الأميركي وقوات الأمن العراقية والمدنيين العراقيين. وتم ذلك فور إعلان تنظيم «دولة العراق الإسلامية» تشكيل كتيبة من الانتحاريات هي الاولى من نوعها، وجاء في بيان التنظيم أن «ثلة من المؤمنات بالله تعالى من امهات وزوجات وبنات الشهداء في دولة العراق الاسلامية، شكلن كتيبة الخنساء الاستشهادية، وأعلنّ الجهاد في سبيل الله». وتؤكد مديرية الاستخبارات في المدينة ان «التنظيمات المسلحة بدأت تشن هجمات تقليدية بواسطة انتحاريين يقودون سيارات مفخخة وتفجيرها في هدف محدد» بعد تدني نسبة المتطوعات على خلفية الاعتقالات التي طاولت مجندات وخلايا مختصة بتجنيد نساء.