بعد عامين على عرض الفيلم التلفزيوني البريطاني الصادم «قتلني صديقي»، عن حكاية جمعت تفاصيلها من جرائم حقيقية، ذهبت ضحاياها نساء بريطانيات على أيدي شركائهن العاطفيين، يعود الفريق التلفزيوني الذي كان وراء إنتاج ذلك العمل، بفيلم جديد بعنوان «قتلني أبي» (يعرض حالياً على القناة الثالثة ل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، والتي انتقلت نهائياً الى شبكة الإنترنت). يتناول الفيلم الجديد جرائم الشرف التي تقع في بريطانيا، غالباً في أوساط المسلمين، بخاصة الآتين من جنوب شرقي آسيا، كما تبيّن إحصاءات من العقود الأخيرة. ويستند الفيلم الجديد، وكحال سابقه، الى وقائع حقيقية جُمعت من قاعات محاكم وشهادات شخصية، ليأتي مدروساً كثيراً وبعيداً من الأحكام المسبقة ووجهات النظر التعميمية أو المبالغة. كما لعب الأدوار في الفيلم ممثلون وممثلات من أصول آسيوية، ليضيفوا بدورهم الكثير الى روح العمل البحثية المتفانية، وربما نقلوا من تجاربهم الخاصة الى العمل، ذلك أن جوهر القضايا التي يتناولها الفيلم، وتحديداً العلاقات بين الأجيال الجديدة والسابقة من المهاجرين، وتصلّب الأفكار التي تخص حريات المرأة في اختيار الشريك، وجدل شرعية العلاقات العاطفية خارج أطر الزواج، هي من التيمات الملحّة في حياة معظم المهاجرين. يبدأ الفيلم من حفلة زواج لقريب بطلي الحكاية، وتربطهما علاقة حب لكنهما يعجزان عن البوح بها للعالم. ينتمي البطلان الى الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين المسلمين الآسيوين في بريطانيا. تتفجر الفتاة بالطاقة، جميلة ومشاغبة، وتربطها علاقة قوية بوالدها، والتي تعمقت بعد موت الأُمّ. أما الشاب فهو من عائلة لا تمانع أن يختار ابنها شريكة حياته، لكن رغبته في الزواج بمن يحب يقف في طريقها والد الفتاة الذي يريد أن يزوج ابنته لابن رئيسه في العمل، والآتي هو أيضاً من المنطقة الجغرافية ذاتها لبلد الأب. ولأن القصة التي يسردها الفيلم بخطوطها العامة ووجهتها المأسوية، لا تحمل الكثير من المفاجآت وربما معروفة لكثر، يركز صانعو العمل التلفزيوني على التفاصيل الصغيرة، والمستمدة من شهادات وتجارب حقيقية، وسيجسّدها الممثلون الرئيسيون بجدارة كبيرة، بخاصة الممثل الذي لعب دور الأب، والذي كان يتأرجح بين العاطفة الأبوية لابنته المراهقة، وسطوة التقاليد على رجل مثله، حافظ على علاقته بجذوره. كما تلعب الابنة دوراً معقداً هو الآخر، إذ تتأرجح هي الأخرى بين إخلاصها لأبيها بالتحديد، والحب الذي هيمن على حياتها بالكامل، حتى كادت تختنق فعلياً في حفلة زفافها، قبل أن تهرب وسط ذهول المدعوين. يسير الفيلم تدريجياً نحو الضيق والعتمة، فبعد أن تتكشف علاقة البطلة بحبيبها، يقرر أبوها حبسها في البيت. وحتى بعد أن تهرب من بيت العائلة وتتّجه الى بيت حبيبها، يستدرجها الأب من طريق نداءات مزيفة بعثها من هاتف أخيها الصغير تطلب منها العودة، ليبدأ بعدها الفصل الأخير من الفيلم والعسير كثيراً على المشاهدة. فبعدما اجتهد الفيلم بالتعريف بشخصياته وقدّمها بلحظات فرحها وضعفها وغضبها، يرسم في خاتمته نهايتها القاسية للغاية، والتي لن تكون البطلة ضحيتها الوحيدة، بل بدت أن حياة الأب انتهت هي أيضاً، بعد أول طعنة له في جسد ابنته الشابة. ليس الفيلم التلفزيوني هو الأول في بريطانيا، الذي يقارب موضوع جرائم الشرف، فقبله تناولت أفلام سينمائية وأعمال إذاعية وتلفزيونية القضية ذاتها، التي يعاد التذكير بها سنوياً، بسبب نساء يذهبن ضحايا لتقاليد المجتمعات المتزمّتة. فالعام الماضي، شهد عرض فيلم «إقبض عليّ يا أبي» للمخرج دانيال وولف، والذي يروي قصة «ليلى»، الآسيوية المسلمة، والتي يقوم أهلها بتأجير مجرمين بريطانيين محترفين لملاحقتها، بعد أن ارتبطت بعلاقة عاطفية مع شاب بريطاني.