في ربيع عام 2009، وبينما كان سكان من مدينة لوتن البريطانية، القريبة من العاصمة لندن، يستقبلون في احتفال شعبي قوات بريطانية، كانت آتية للتو من مهمات قتالية في افغانستان، تظاهرت مجموعة من المسلمين البريطانيين تطلق على نفسها جمعية «المهاجرين» في شوارع المدينة الصغيرة، مرددة شعارات معادية لتلك القوات. اذ وصفت الجنود ب«الارهابيين»، محدثة ضجيجاً عالياً، في دقائق الصمت التي اختارها منظمو الاحتفال لتذكر الجنود البريطانيين الذين قضوا في افغانستان والعراق. هذه الحادثة استأثرت آنذاك باهتمام إعلامي تجاوز بريطانيا، ومنها انطلق فريق انتاج الفيلم التسجيلي التلفزيوني «فخور ومتعصب» الذي عرض اخيراً على شاشة القناة الرابعة البريطانية، اذ اعتبرها الفيلم، بأنها التي ستدفع الى العلن الصراع المخفي بين متطرفين اسلاميين وحزب بريطاني عنصري، تركز اجندته على «الخطر الذي يمثله المسلمون على الحياة في بريطانيا». يرافق الفيلم ولشهور طويلة، زعيم تنظيم «المهاجرين» (سيف الاسلام) المولود في بريطانيا من اسرة تعود اصولها الى باكستان، والبريطاني تومي روبنسن (اسم مشاغب معروف من المدينة فضل الشاب البريطاني حمله عوضاً عن اسمه الحقيقي)، الذي يقود حزب «اتحاد الدفاع الانكليزي» (EDL) المثير للجدل. يقترب الفيلم كثيراً من الشخصيتين اللتين تربتا في المدينة ذاتها، قبل ان تتحولا الى عدوتين، تقفان على النقيض تماماً في موقفيهما من الحياة في المدينة والعالم. يجد الحزب البريطاني العنصري من موقف قلة من متعصبين مسلمين في حادثة تظاهرة مدينة لوتن، الذريعة لبدء عدد من الاحتجاجات العلنية في هذه المدينة ومدن بريطانية اخرى، تركز بالكامل على «التهديد» الذي يمثله المسلمون البريطانيون، والذين لا يزيدون على 15 في المئة من سكان هذه المدينة. في المقابل تمنح التصريحات المتطرفة لسيف الإسلام ومجموعته، بخاصة تلك التي تتعلق بتطبيق تفسير واحد للشريعة الاسلامية على بريطانيا كلها، الشعبية للمجموعة البريطانية، والتي لا تحظى رغم ذلك الا برضا مجموعة صغيرة جداً فقط من البريطانيين. يقدم الفيلم مقابلة طويلة مع إمام احد جوامع مدينة لوتن البريطانية، يوجّه فيها النقد لمجموعة الشباب المنضوين تحت راية المنظمات الاسلامية المتطرفة الذين يسيئون كثيراً الى علاقة المسلمين البريطانيين مع مجتمعهم، ويفسر ايضاً اتجاه بعض المسلمين الى التطرف، لظروف نشأتهم وعزلتهم عن المجتمع البريطاني بسبب البطالة وظروف اقتصادية واجتماعية. تشاؤم وعلى رغم حكمة الامام هذا، الا ان الأثر الذي يتركه اعضاء مجموعة المهاجرين الممنوعة في حضورهم التلفزيوني، كما ينقله الفيلم من دون مواربة، يثير الكثير من التشاؤم. فالفيلم يسجل تظاهرة شارك فيها اطفال ونساء من تنظيم «المهاجرين»، امام السفارة الاميركية في لندن تزامناً واحتفالها بالذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). وبينما كان الامير تشارلز ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون يضعان الزهور على نصب في السفارة، وسط مظاهر حزن عميقة، كانت الاصوات تأتي من الخارج، مرددة «اننا لا نهتم لقتلاكم في نيويورك، وهم يستحقون الموت على ما اقترفته الولاياتالمتحدة من «جرائم» بحق دول عدة!». لا يجمّل الفيلم الذي انتجته القناة البريطانية الرابعة المشاكسة بطبعها، واقع العلاقات المتوترة احياناً بين مسلمين بريطانيين ومجتمعاتهم وعنصرية الاحزاب اليمينية المتطرفة، بخاصة في المدن البريطانية الصغيرة. لكنه بكشفه عن ذلك الوجه المتعصب للطرفين، يزيد عزلتهم عن المجتمع الواسع الواعي، والذي نراه في شخصية الامام مثلاً، او مجموعة البريطانيين الذين يقترحون مبادرة لاصلاح العلاقات بين المسلمين والبريطانيين في لوتن، وغيرها من المدن، خصوصاً ان هؤلاء الذين ما زالوا يؤمنون بأن العالم مكان يتسع للجميع، ما زالوا اكثرية.