«هل يروق لكم أن يتمّ حظر تقاليدكم الكروية في عقر داركم؟». إنه ردّ رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السويسري جوزف بلاتر على المطالبين بحظر استعمال آله النفخ «فوفوزيلا»، بحجة أن صوتها يصم الآذان ويرهق الأعصاب ويشتت التركيز. علماً أنه سبق لبلاتر أن طالب بمنع هذه الأبواق! أضحت ال«فوفوزيلا» تمثل هوية منتخب جنوب أفريقيا في المونديال، لا بل هوية النسخة ال19 من كأس العالم. وأصبحت موضة هذه المنافسات على غرار الموجات البشرية في المدرجات «أولا» OLA التي ظهرت في مونديال المكسيك عام 1986. تصدح «فوفوزيلا» لشدّ أزر اللاعبين. وفي حين اعتبر قائد المنتخب جنوب أفريقيا آرون موكوينا أن «فوفوزيلا هي اللاعب رقم 12، وسلاحنا الأقوى الذي نستمد منها قوتنا»، شكا النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو من هذا البوق، وقال: «من الصعب على أي كان على أرض الملعب أن يحافظ على تركيزه. ومن الطبيعي أن عدداً من اللاعبين لا يحبون هذه الأبواق لكن عليهم اعتيادها». لقد فرضت أبواق «فوفوزيلا» ذاتها ضيفة استثنائية في المونديال، من خلال حضورها «الصوتي غير العادي» في المباريات وتحولت إلى مادة جدل. إنها آلة نفخ بلاستيكية يصل طولها إلى متر تقريباً ويستعملها مشجعو كرة القدم في الدوري المحلي، وعند النفخ فيها تصدر صوتاً مزعجاً كصوت طنين النحل، وتصل قوته إلى 131 ديسيبيل وهي نسبة قادرة على التسبّب بأضرار للأذن البشرية. وأفادت دراسات طبية باحتمال «فقدان حاسة السمع لدى اللاعبين» بسبب هذا البوق. طوّر فيل فان سشالفيك (37 سنة) من سكان كيب تاون، هذا «البوق – الزمور» بعدها شاهد أنصار الفرق ينفخون في أبواق مصنوعة من قرون الحيوانات خلال مباريات الدوري. وروّج فان سشالفيك لفكرته منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، مستخدماً مادة البلاستيك لصناعتها. وفي غضون 7 أعوام ارتفعت مبيعاته من 500 إلى 500 ألف بوق شهرياً. في البداية سماها «بوجي بلاستر»، لكن أنصار الفرق أطلقوا عليها «فوفوزيلا»، علماً أنه لدى استخدامها للمرة الأولى يتوجب على مقتنيها النفخ دقائق عدة قبل أن يصدح صوتها. وأصل كلمة «فوفوزيلا» غير دقيق، إذ يشير مصدر إلى أنها مشتقة من لغة الزولو وتعني «إصدار ضجيج»، أو إنها تقليد لصوت «فو فو» وهو تعبير عن الفرح والاحتفال. لكنها في الأساس أداة للإنذار أو الإخبار. وكانت قبائل كثيرة تعتمد النفخ في بوق مصنوع من قرن الأيل (البقر الوحشي) للإعلان عن خبر أو حدث مهم أو احتفال. ويراوح سعر بوق «فوفوزيلا» البلاستيكي بين 2 و6 يورو، استناداً إلى مكان صنعه ونوعيته (الصين أو جنوب أفريقيا). ويتوافر وفق ألوان فرق كرة القدم في جنوب أفريقيا وأزيائها (اللون الأصفر يعتمده ناديا سويتو كازيرز شيقز، والأسود والبيض لنادي أورلاندو بايرتز). ولمناسبة المونديال، صنّعت أبواق بألوان المنتخبات المشاركة. وتسمّى «فو فو ستوب» في كيب تاون، وهي معدلّة، إذ خفّضت قوة صوتها30 ديسيبل. وتباع مرفقة بشهادة «رسمية» تفيد أنها مناسبة جداً لمباريات كرة القدم والركبي وللأزواج الذين يودون ألا يسمعوا اتهامات زوجاتهم وشكاويهن! ولمواجهة تأثيرها، تدرّب يواكيم لوف المدير الفني لمنتخب ألمانيا على توجيه لاعبيه بواسطة الإشارات خشية ألا يسمعوا ملاحظاته أثناء المباريات. ويستخدم معلقون في المدرجات ميكرفونات تسمح بضبط أكثر لأصواتهم ولوقع كلماتهم خشية أن يشوش صوت «فوفوزيلا» وطنينها على ما يقولونه. ومع طفرة المبيعات الكبيرة التي تسجل لهذه الأبواق وبداية غزوها بكثافة الأسواق الأوروبية، راجت أيضاً مبيعات سدادات الأذن، خصوصاً لأنصار المنتخبات القادمين من الخارج، ويستخدمونها لتجنّب الضجيج أثناء المباريات. واعتبر صحافيون مفعول هذه الأبواق بأنه «ضرب على الأعصاب». وحظرتها السلطات الألمانية في الأماكن العامة المخصصة لأنصار «المانشافت» الذين يتابعون مبارياته في الساحات أمام شاشات عملاقة. أما متابعو المونديال في منازلهم عبر الشاشة الصغيرة فلم يعد في إمكانهم الاستمتاع بصيحات الجمهور وأهازيجه الجميلة، إذ طغى صوت «فوفوزيلا» الصادح على كل شيء وجعل مشهد المدرجات رتيباً ومملاً أحياناً.