تحدّد النحّاتة الألمانية تانيا ريدر بإزميلها معالم قطعة خشب من شجر الصنوبر متصدّعة وضخمة، تنحني المنحوتة - المرأة إلى الخلف، رافعةً رأسها، محدّقةً بالسماء، منتشيةً، لتلْصق يديها بالأرض. لا تكتفي تانيا بعد أحد عشر يوماً من العمل على منحوتتها، بإظهار الشقوق والتفاصيل بحدّتها في التمثال الخشبي، بل تطليه باللون الأبيض، لتخفي التجاويف فيه، وبقلم أسود فاحمٍ تزنّر أطراف الانحناءات المتشكّلة. تقول ل «الحياة»: «إنها تشخّص نفسها السعيدة بزيارتها دمشق للمشاركة في الملتقى الدوليّ السوريّ الأوّل للنحت على الخشب». للمرة الأولى تنحت تانيا في قلعة دمشق الأثرية أمام الزوار اليوميين، ويعمل قربها، كلٌّ على منحوتته، ثمانية فنانين من أوروبا، وثلاثة من سورية. فرصة العمل على قطع ضخمة من الخشب، جعلت الفنانة الألمانية تشارك بمنحوتة أخرى في المعرض الجماعيّ الذي أقيم مع انتهاء ورشة العمل في صالة «تجليات» الخاصة، حيث تصوّر نفسها ترقص فرحاً، وتضيف: «يمثّل التمثال الآخر شعوري عندما أتيت إلى هنا». جمعت أنواع الخشب المستعملة في النحت (جوز، زيتون، صنوبر، كينا، رومي) من مختلف مناطق سورية، ويقول أكثم عبد الحميد القائم على الملتقى والمشارك فيه من الطرف السوري، إنه وصل إلى حدود تركيا في جولته لانتقاء الخشب، ويوضح عبد الحميد صعوبة الإتيان بكتل خشبيّة ضخمة غير مقطعّة إلى شرائح صغيرة، مشيراً إلى أن الملتقى هو الأول من نوعه في تاريخ النحت السوريّ الحديث، ويتابع: «اعتاد الناس أن يروا النحّاتين على شاشة التلفاز، لكنّها المرّة الأولى التي يتابع فيها المارّة العمل وهو يأخذ شكله النهائيّ». ويبدو عمل عبد الحميد تشخيصياً إضافةً إلى النحّاتين السوريين الآخرين عماد كسحوت، ومحمد بعجانو، بينما اختار الفنانون الأوروبيون تبسيط الأعمال عموماً، محتفين بالمدرسة التجريدية. وللمرة الأولى يستعين الفنّانون السوريون المشاركون بتقنيات ميكانيكية كالمناشير الكهربائية والديسكات الجاهزة، ويرى عبد الحميد أن رسم مخطط مسبق للمنحوتة يساعد في تنفيذها بدقة: «الدخول في عمق الخشب ورسم اتّجاه فيه، يصبحان أسهل مع صورة مسبقة وآلةٍ حديثة»، وبالفعل، تظهر الأعمال الفنية ال12 بعد عرضها، ملساء، على شكلٍ يخوّلها دخول السوق التشكيلية السورية، إذ يصل أقلّ سعرٍ وضع لمنحوتةٍ في هذا المعرض إلى نحو مليون وثمانمئة ألف ليرة سورية، أي ما يعادل أربعين ألف دولار أميركي. وقد تعجز مؤسسة رسمية عن تبنّي ملتقىً كهذا، في حين تستضيف الحدث وتموّله صالة فنٍّ تشكيليّ ناشئةٌ، لتعود إليها في النهاية ملكية الأعمال الفنية. ويرى النحّات الإسباني ميغيل إيسلا أن مستوى المشاركة قويٌّ ومشجّع، لاسيما أن جلّ المشاركين التقوا في ورشات سابقة. 36 سنة من النحت على الخشب، تجعل ميغيل خبيراً جداً بالأنواع النادرة والمتوافرة من الخشب الطبيعي، وقد اختار لعمله المشارك نوعين من الخشب، هما الصنوبر والكينا، إذ وضع على قطعة حديدية صلبة جذعاً من كل نوع، محافظاً على طبيعة الشجرة الكلاسيكية، مدْخلاً بعض القطع الصغيرة كعنصر دخيل، ليبدو العمل مثل لمسة الإنسان على الغابة، ويقول ميغيل: «لا أعمل خارج الخشب، بل على المفاهيم الجوّانية له، مقدرّاً الناحية الروحيّة للشجر»، وتبدو العلاقة بين الجذعين المتوازيين كعلاقة الأشجار في الغابة بعضها ببعض. لا ينحت ميغيل في حياته الفنية على الخشب فقط، بل على الرخام والحجر، كما يصب البرونز، وهو يرى أن اختلاف المدارس بين الفنّانين السوريين والأوروبيين لا يتجاوز مداه الطبيعيّ ما دام النحّاتون يتطوّرون، إمّا من التشخيص إلى التجريد، أو بالعكس، خلال مراحل فنية متأرجحة «لابد من أن يمرّوا بها»، لكنّه لم يبْد اهتماماً باعتماد أعمال النحّاتين السوريين على مخزون تراثهم المعماريّ الأثريّ، لاسيما التدمريّ.