غرق حزب العمال البريطاني أمس في تداعيات «أزمة اللاسامية»، والتي أطاحت بقياديين معروفين بتأييدهم للعرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، مثل عمدة لندن السابق كن ليفنغستون الذي جُمّدت عضويته بسبب قوله إن هتلر كان مؤيداً للصهيونية في ثلاثينات القرن الماضي، ما أثار حملة شعواء ضده. وتهدد هذه الأزمة فرص العمال في تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات المحلية المقررة الخميس، وسط مزاعم بأن تيار الزعيم السابق للحزب توني بلير يريد إفشاله في الاقتراع بهدف تحميل زعيمه الحالي جيريمي كوربن المسؤولية تمهيداً للتخلّص منه ومن سياساته اليسارية. واندلعت الأزمة قبل أيام بعدما كشف تعليقات أدلت بها النائبة العمالية ناز شاه على موقع للتواصل الاجتماعي وأيّدت فيها «ترحيل» الإسرائيليين للعيش في الولاياتالمتحدة، ما أطلق اتهامات بأنها معادية للسامية. واعتذرت شاه لليهود ولزملائها في مجلس العموم، علماً أنها كتبت تعليقها المثير للجدل قبل انتخابها لعضوية البرلمان عن إحدى دوائر مدينة برادفورد الإنكليزية. وفي حين أعلن كوربن قبوله اعتذار شاه، انبرى أحد أقرب المقربين منه عمدة لندن السابق كين ليفنغستون للدفاع عنها رافضاً اتهامها باللاسامية والخلط بين اللاسامية وانتقاد سياسات حكومات إسرائيل. لكن ليفنغستون زاد الأزمة تعقيداً بدل أن يساهم في حلها، إذ أكد في معرض دفاعه عنها أن هتلر كان مؤيداً للصهيونية عندما جاء إلى سدة الحكم عام 1932، قبل أن «يصاب بالجنون» ويتبنى خيار ترحيلهم إلى معسكرات الإبادة النازية خلال الحرب العالمية. وأطلقت تصريحات ليفنغستون ثورة غضب ليس فقط في الأوساط المؤيدة تقليدياً لليهود، ولكن داخل حزب العمال حيث هاجمه نواب محسوبون على تيار بلير. كما انتقده النائب المسلم صادق خان ودعا إلى تجميد عضويته، علماً أن خان بدوره يتعرض لحملة عنيفة تتهمه بالدفاع عن «إرهابيين». ويخشى خان، كما يبدو، أن يؤثر ذلك في فرص فوزه بمنصب عمدة لندن الخميس، علماً أن الاستطلاعات ما زالت تعطيه تقدماً على منافسه الرئيسي مرشح المحافظين زاك غولدسميث. وفي ظل تصاعد حملة «اللاسامية»، تجرّع كوربن «كأس السم» وجمّد عضوية حليفه ليفنغستون، وشكّل «لجنة تحقيق» مستقلة تقودها الحقوقية شامي شكرباتي في شأن مزاعم اللاسامية والمواقف العنصرية الصادرة عن مسؤولي الحزب. ومن المفترض أن تنتهي اللجنة من عملها خلال شهرين، لكن كوربين سيستبق النتائج بإعلان «قواعد سلوكية» جديدة في شأن العنصرية أمام اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب خلال أيار (مايو) الجاري. وستتضمن هذه القواعد إرشادات في شأن «التصرفات المقبولة» واللغة المسموح باستخدامها لضمان أن الحزب «لا يتهاون في قبول أي شكل من أشكال عنصرية، بما فيها اللاسامية». وكرر ليفنغستون أمس تصريحه عن تأييد هتلر للصهيونية، على رغم معاقبته من قيادة حزبه. وقال لإذاعة «أل بي سي» اللندنية إنه «لا يأسف لقول الحقيقة»، وإنه تحدث عن «حقائق» تاريخية لا يمكن نكرانها، مستشهداً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي «أدلى بتصريحات مماثلة»، في إشارة إلى قول الأخير إن هتلر أراد التخلص من اليهود بإرسالهم إلى فلسطين لكن الزعيم الفلسطيني الراحل الحاج أمين الحسيني أقنعه ب «حرقهم»، وهو أمر يقول باحثون إنه غير صحيح. وكان لافتاً أن ليفنغستون غمز من قناه مؤيدي بلير في الحزب واتهمهم بالسعي بالوقوف وراء ضجة مزاعم اللاسامية للتأثير في فرص الحزب في انتخابات الخميس، ما يسمح لهم بتحميل كوربن مسؤولية الخسارة.