كتب الملك فيصل الأول من بغداد عام 1932: «إن البلاد العراقية ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية، فهي والحالة هذه مبعثرة القوى، مقسّمة على بعضها، لذا يحتاج ساستها الى أن يكونوا حكماء مدبّرين أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسابات أو أغراض شخصية أو طائفية أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معاً، وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي». لست ممن يعانون من عقدة التشاؤم أو «شمّاعة» ترف تشعرني براحة التحسّر الخالد، ومع ذلك أضبطني عاجزة عن التحليل إن تأملت التاريخ الذي قيلت فيه تلك المقولة، ثم لم أجد فرقاً جوهرياً (اجتماعياً - إنسانياً وسياسياً) بين ما جاء فيها وحاضرنا، ولئن صلحت إنسانيتنا لتعدّلت سياستنا، ذلك أن الإنسان هو الأساس، فماذا إن امتلكنا تقنيات العصر، وارتفع بنياننا، وتقدمت علوم عصرنا! (لاحظوا لم أقل علومنا) ولا تزال صراعاتنا وبكائياتنا وخسارتنا مستمرة ومشتعلة! ولا تزال حقوقنا هباتٍ وتفضلاً ومعاركَ تخوينٍ! يقول المستشرق الأميركي كورنيليوس فاندايك: «انحصرت فائدة النور الذي أدخله الغرب إلى الشرق في تفتيح عيون الشرقيين لرؤية الخرائب حولهم، من دون أن ينتشلهم من بينها». لا علم لي بما عناه بالضبط بحكاية النور، ولكن عليّ من وعينا بكل يوم يمر علينا، وقد خدعونا بقولهم عنّا أغنياء، ولا أدري الغنى بماذا تحديداً؟ حتى الفلوس طارت والبقية منها على وشك. سئل الشيخ مصطفى عبدالرازق عام 1949 عن أخلاقنا، فأجاب بقوله: «هذا سؤال يرغمني على الفلسفة، فلكي يتسنى لنا الحكم على الأخلاق وهل تقدّمت أو تأخّرت يجب أن يكون هناك معيّار، إذا انحرفت عنه الأخلاق قلنا إنها انحطت، وإذا بلغته وتخطّته قلنا إنها بخير، وحتى لو وجد المعيّار فإنه يتغير بتغيّر الزمن». حلو الكلام، وعلى وزن فين السؤال، فين المعيّار وأنا أعرف مستواي الأخلاقي على طول! وعذراً، فيبدو أن السخرية الحُبلى بالنقد الاجتماعي هي المنقذ أحياناً! فالمشكلة يا شيخ أننا لم نتعرّف على معيارنا بعد، كي نتعرّف على تغيّر مؤشره! اللهم إلا إن كان مؤشراً لسوق الأسهم، فهذا سهل، كلها أحمر أو أخضر، نعم، نخطب في المعايير ونتغنى في المقاييس، ولكن كمن يتحدث عن الموت، يظن أن كل الناس ميتون إلا هو، ونحن إذ نفرد الصفحات ونخصّص الشاشات للتنظير الأخلاقي والسياسي، والمفروض وغير المفروض...إن كنا جميعاً بهذا الفهم والنأي والترفّع، فمن أين تأتي الفوضى؟ دعك من أين أتت، ولنسأل: لِم لمْ نتخلص منك يا فوضى؟ في ترك الإجابة إجابة. يا جماعة حتى الكرة لم نفلح في تطويعها! حتى الكرة لم تستطع أن تجاملنا وفضحت استهتارنا ولا مسؤوليتنا، فإذا المسألة على الفقر، فماذا عن أرصدة البرازيل والأرجنتين؟ وإذا المسألة على الشباب، فنصف العالم العربي من فئة الشباب، وإذا على الإمكانات فلا نعدم الماديات، ولكن المحك على الجدية والالتزام وتقدير عشم الجمهور وعَلَم الوطن. المحك على صلاحيات المدرب بلا تدخّل ولا توسّط ورأي من هم فوقه. ثم إذا كان المدرب ليس وحده الذي يقرر من يبقى ومن يستبعد، من يعاقب ومن يكافئ، فلم نستدعيه وندفع له؟! ولم لا يتدرّب اللاعب في بيته ويتفق مع فريقه على الخطة قبل المباراة بدقائق، فلا أظن أن الوضع سيختلف كثيراً عن الواقع، حتى لقد بلغت الشفقة بنا إلى درجة تمني وصولنا إلى دور ال16 ونرقص انتصاراً إن حصل صدفة، وننتهزها طفرة لنخرج ونعلن عن سر عبقريتنا، فإذا سئلنا عن دور الأربعة أو التنافس على الكأس، ابتسمنا بتواضع وتمتمة: «الكأس مرة واحدة»، طب مرتين، اش رأيكم؟! وفي ذمتي حتى لو قسّموه فلن نحصل عليها. [email protected]