بعد نحو أربع ساعات من الحفاظ على سقف التهدئة في الجلسة التشريعية للمجلس النيابي التي عقدت امس، خصوصاً لجهة موضوع الاتفاقية الأمنية وال11 بليون دولار ومواضيع اخرى، إذ كان النقاش اقرب الى عرض وجهات نظر بعيداً من السجال الحاد الذي دار خلال الأيام الماضية في شأنها، سرعان ما تحولت الجلسة بعد طرح اقتراح قانون معجل من اصل 4 اقتراحات قوانين تقدم بها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط ونواب وترمي الى تعديل قانون الضمان الاجتماعي بإضافة بند ينص على معاملة اللاجئ الفلسطيني المقيم في لبنان إقامة قانونية معاملة المواطن اللبناني لجهة تعويض نهاية الخدمة والعناية الطبية، حتى انقسمت الكتل على نفسها وبعضها في مواجهة البعض الآخر وغلب على الانقسام الطابع الطائفي. فدعا كل من رئيس الحكومة سعد الحريري والنائب جنبلاط ومعهما اعضاء كتلة رئيس المجلس النيابي نبيه بري وكتلة «حزب الله» الى ضرورة التصويت على الاقتراحات الأربعة المقدمة وإعطاء اللاجئين الفلسطينيين ابسط حقوقهم المدنية، في مقابل موقف اعتراضي من جانب كتل «التغيير والاصلاح» وحزبي «الكتائب» و «القوات اللبنانية»، مع إطلاق مواقف حادة، ما دفع الحريري الى عقد مشاورات جانبية مع جنبلاط وبري والكتل الأخرى لإيجاد مخرج يرضي جميع الأطراف للحد من الانقسام الذي ساد الجلسة، فأحيلت الاقتراحات الى اللجان المختصة على ان يعود المجلس الى مناقشتها بعد شهر. ورفعت الجلسة من دون استكمال جميع مشاريع القوانين والاقتراحات التي كانت مدرجة على جدول الأعمال وعددها 21. افتتح بري الجلسة عند الحادية عشرة الا ثلثاً، في حضور الرئيس الحريري والوزراء. وتلي مرسوم دعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي، وكتاب وزير الداخلية في شأن نتائج الانتخابات النيابية الفرعية في المنية - الضنية والتي فاز بموجبها النائب كاظم صالح الخير. ثم أقسم المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء اليمين. وبوشر بالاوراق الواردة فأعطيت الكلمة الاولى للنائب عباس هاشم فقال: «الناس في قرى جبيل يشترون الماء، المنطقة منطقة رئيس البلاد، فهل يجوز ان تكرم بهذا الامر؟». وتطرق الى موضوع الاتفاق الامني الموقع بين الولاياتالمتحدة وقوى الامن، داعياً الى عرضه على المجلس النيابي وتمنى ان «نسمع كلاماً واضحاً حوله». وركز النائب محمد قباني على موضوع الهيئات الناظمة او المنظمة للقطاعات، وقال انها «أتت ضمن تصور اصلاحي يريد ان ينظم القطاعات الاساسية والمنتجة، ولئلا تعود الامور عشوائية او مزاجية او بتحكم عدد محدود من السياسيين». ورأى ان «من الضروري الالتزام القانوني الذي يفرض علينا انشاء هذه الهيئات الناظمة». وقاطعه بري قائلاً: «ليست الوحيدة». وتابع قباني: «أنشئت لكنها شلت، لا يجوز اللعب في موضوع المطار، لماذا لا تنشأ هذه الهيئة وهيئة تنظيم قطاع الكهرباء، هناك سوق سوداء، وكذلك قطاع النقل والغاز وهو مهم جداً، هذا القطاع يعد ببلايين الدولارات». وطلب النائب اميل رحمة الكلام بالنظام، متمنياً ان «يفتح مجال لمحاسبة كل الوزراء في كل الوزارات، ونفتح الملف على مصراعيه». وتحدث النائب انطوان زهرا عن «ظواهر في مجتمعنا لم نتعود عليها، كحالات الانتحار، وموضوع المخدرات في الجامعات والمدارس، اضافة الى اعلام يتنافس لأخذ برامج عيب ان تعرض لجهة الكلام البذيء، هذا لا يشبه لبنان»، داعياً المجلس الى ورشة تربوية، «لنضع سلم قيم اخلاقية». واعتبر النائب عمار حوري ان «الحديث عن موضوع ال11 بليون دولار وعن اتفاق الهبة، مكانه الطبيعي في مجلس الوزراء وفي المجلس النيابي لأن النقاش في الاعلام يأخذ الامور الى مرحلة انقسامية». وأشار النائب حسن فضل الله الى ان الحكومة تعهدت في بيانها استكمال ملف التعويضات، «وهناك تعويضات لم تدفع للمؤسسات وهناك موضوع آخر يتعلق بالجسم الاعلامي فهناك قرارات قضائية تفرض على وسائل الاعلام غرامات مالية هل يعقل وجود 400 بليون ليرة كمخالفة لقناة تلفزيونية؟». وقال النائب ابراهيم كنعان: «خوفي ان ننتقل من ثقافة تجاوز القوانين الى ثقافة تبرير التجاوز، حتى الآن لم تصل الموازنة او الجواب حول سؤالي عن هذا الامر». فرد بري: «حوله الى استجواب اذا لم يصلك الجواب خلال 15 يوماً». ولاحظ النائب اسطفان الدويهي «اننا نعيش زمن الهروب الى الأمام في ظل عدم توفير اجواء الثقة، واستمرار التجاذب السياسي وجعله اولوية على حساب اولويات المواطن». واعتبر ان «الواقع الاقتصادي الاجتماعي يلامس حدود الانهيار». وأثار النائب نواف الموسوي ما قاله السفير الاميركي جيفري فيلتمان امام الكونغرس حول تقديم 500 مليون دولار لتشويه صورة «حزب الله» الايجابية لدى الشباب اللبناني. وسأل: «ألسنا كمجلس معنيين بالتقصي لمن دفعت هذه الأموال؟ هل لوسائل الإعلام أم لجمعيات؟». وسأل ايضاً: «الا يعتبر تصويت مندوب لبنان في مجلس الامن بالامتناع ضد قرار العقوبات مخالفة دستورية بخلاف ما اتفقت عليه الحكومة؟». ورد بري قائلاً: «الامتناع افضل من اللاقرار (الذي اتفق عليه)». ورأى عضو كتلة «القوات اللبنانية» جورج عدوان «أننا نعيش مرحلة تفسير الدستور كل على هواه». ولاحظ «تضارباً في الاعلام حول تقرير الاتفاقية الأمنية». ورأى أن «هناك وزارات تتصرف كأنها حكومة بحد ذاتها». ورد رئيس المجلس شارحاً «كيف تركت له لجنة الإعلام والاتصالات القرار في موضوع الاتفاقية الأمنية وأنه وجد الاتفاقية ليست هبة ولذلك رفع الأمر لرئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة لإعادة النظر فيها». ثم صادق المجلس في الجلسة على عدد من مشاريع واقتراحات القوانين. وتطرق عضو كتلة «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل، الى موضوع «المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية»، داعياً الحكومة الى تحمل مسؤولياتها تجاههم. وطالبها بإعطاء موضوع ترسيم الحدود «الأهمية اللازمة». وحين طُرحت اتفاقية في شأن الذخائر العنقودية، طلب نواب «حزب الله» تحويلها الى اللجان لسماع كل وجهات النظر في شأنها، فيما طالب الرئيس الحريري استعجال الاتفاقية لأن في تأخيرها مصلحة لاسرائيل التي ترفض التوقيع عليها. وأجّل بري الموافقة عليها حتى نهاية الجلسة. ثم بوشر بمناقشة جدول أعمال الجلسة وصدق على عدد منها. وتلي مشروع قانون أصول المحاكمات الجزائية، فسأل الجميل عن معنى «الجنايات ذات الخطر الشامل»، داعياً الى عدم استخدام عبارات تحمل تفسيرات عدة وطلب حذفها فسقط اقتراحه، وطلب النائب خالد ضاهر تحديد جرائم الارهاب وتعريفه. فسأله بري: «أتريد تعريف الارهاب بحسب التعريف الأميركي أم بحسب تعريفنا نحن؟ في تعريفنا المقاومة مقاومة ونعتز بها». ثم تلي قانون ترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام من رتبة مفتش وما فوق الى رتبة ملازم. وقال رئيس الحكومة: «علينا أن نوافق على ترقية جميع الناجحين»، فصفق له النواب الذين وقعوا على الاقتراح ثم طرح على التصويت فصدق معدلاً بحيث تم إخضاع هؤلاء لدورة تدريبية. بعد ذلك طرح اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تعديل المادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي والمقدم من النواب وليد جنبلاط، إيلي عون وعلاء الدين ترو، والذي ينص على ان يعامل اللاجىء الفلسطيني المقيم في لبنان اقامة قانونية معاملة المواطن اللبناني لجهة تعويض نهاية الخدمة والعناية الطبية. وتزامن طرح هذا الاقتراح مع وصول جنبلاط الى الجلسة وتحدث في الموضوع النواب ابراهيم كنعان وآلان عون والجميل الذين رأوا أن الموضوع يحتاج الى دقة ويرتبط بقضايا عدة ولا يجوز التصويت عليه بصفة الاستعجال. وتحدث في الموضوع وزير المهجرين أكرم شهيب الذي حرص على الجلوس في المقاعد النيابية فأكد أن كل ما يتضمنه هذا الاقتراح هو الحقوق الانسانية. وقال قباني: «من واجبنا الوطني وسمعتنا الدولية أن نقف بشجاعة اليوم قبل الغد لإقرار هذا الموضوع». وأيده بذلك النائب غازي زعيتر الذي أكد أن الموضوع لا يرتب أعباء مالية على الخزينة. وقال فضل الله: «هذا الاقتراح انساني بحت لما يعانيه اللاجئون الفلسطينيون، ولذلك نتمنى السير فيه على أساس هذه القاعدة». وقال نواف الموسوي: «لا يجوز الاستمرار بفرض الحصار والعقوبات المصنعة وعندما نصوت فإنما نصوت ضد سياسة الحصار وفرض الشروط والمحاذير عليهم». وقال النائب علي حسن خليل: «تأخرنا كثيراً في إعطاء اللاجئ الفلسطيني بعض حقوقه المشروعة»، وقال النائب نبيل دو فريج: «هذا القانون يدخل لمعادلة وتسوية السلاح الفلسطيني». وقال النائب عاطف مجدلاني: لا يجوز اعطاؤهم الحقوق التي تعطى للبنانيين». ودعا النائب ايلي ماروني الى عدم اعطاء صفة الاستعجال «لانه موضوع خلاف». وسأل: «اين القرار الذي اصدرته الحكومة بحق كل اجنبي متزوج من لبنانية؟»، داعياً الى ربط هذين الموضوعين. ولفت زهرا الى انه «لا نرى ضرورة لطرح مثل هذه الاقتراحات بصفة الاستعجال المكرر». وهنا طرح الرئيس بري صفة الاستعجال على التصويت فصدق. ودعا الجميل الى «عدم التزاكي في مثل هذا الموضوع، واعتماد الاقتراحات الاربعة وبالتالي تطرح كقانون دستوري لأنها تتعلق بالتوطين». وقال النائب آلان عون «نحن مع الحقوق المدنية والانسانية للاخوة الفلسطينيين انما علينا التروي بمثل هذه الاقتراحات». وسأل الحريري: «كيف نعطي الحق لأي مستثمر؟ الرفض يعني ان نستثمر لاكبر مشروع ارهابي وهذا ما حصل في نهر البارد وراينا الاثمان الكبيرة التي دفعها الجيش اللبناني، لدينا فرصة تاريخية للتصويت على القانون من دون انقسام ونحن ضد التوطين ولسنا بحاجة لفحص الدم بهذا الموضوع، وهناك مجموعة من الاعلاميين واللبنانيين في طريقهم الى غزة لفك الحصار، ولا يجوز ان تأتي الوفود الينا لفك الحصار عن المخيمات، ونحن اليوم امام حقوق انسانية وهناك فلسطينيون لهم الحق باستملاك منزل ما فإذا توفي الوالد لا يستطيع الابناء ان يعملوا حصر ارث، فاذا اردتم خلق شأن سياسي في هذا الموضوع فلنلجأ الى التصويت، لكن علينا قبل ذلك ان ننظر الى الاخوان الفلسطينيين في مخيماتهم التي بسبب البؤس تحوّل بعض هؤلاء الى ارهابيين». وتمنى السير بالاقتراح «بعيداً من اي انقسام سياسي امام موضوع انساني اساسي، لنستطيع التحرر من عبء المخيمات من خلال اجراء مفاوضات في المستقبل». ودعا الى «عدم تحويل الموضوع بالاتجاه الطائفي والمذهبي انما بالاتجاه الانساني، ونتمنى الخروج من هذا المجلس لنقول اننا انتصرنا في مجلس النواب ولو لمرة للحق الانساني الفلسطيني»، فصفق له النواب. وقال النائب نعمة الله ابي نصر كنا نتمنى ان يدرس هذا الموضوع بحضور الوزير المختص». وقال جنبلاط: «نحن ننتظر قيام دولة فلسطينية والى حينه نعطي هذا اللاجئ البائس ادنى حقوقه الانسانية. ما دخل التوطين بالموضوع؟» اننا جميعاً متفقون على رفض التوطين»، لافتاً الى انه «منذ 62 عاماً ينتظر اللاجئ الفلسطيني حقوقه. وبعد كلام جنبلاط، نزل رئيس الحكومة من مقعده وجلس الى جانب جنبلاط وتشاور معه بعدما كان تشاور مع بعض اعضاء كتلته، فقال جنبلاط بعد ذلك: «كل اليمين في العالم غبي ومنذ 62 عاماً لم يتغير اي شيء، ولم أرَ أغبى من اليمين اللبناني»، لافتاً الى ان تأجيل بحث الحقوق المدنية للفلسطينيين يعني تأجيل المشكلة. وقال الوزير وائل ابو فاعور» «للاسف هذا النقاش مسيء للشعب الفلسطيني، والرهان على الالتزام القومي قد لا يصح نتيجة الاوضاع الطائفية والمذهبية التي يعيشها لبنان، ولكن من منطلق المصلحة الوطنية، ولكي لا تتكرر ظاهرة نهر البارد في مخيمات فلسطينية اخرى، من المصلحة اللبنانية ان لا نخنق المخيمات كما هو عليه الوضع اليوم». وقال الوزير ميشال فرعون: «للاسف ان يتحول هذا الموضوع الى هذا المنحى والى مشكلة سياسية، والمشكلة هنا ليست ضد المبدأ انما ضد طرحه بصفة المعجل». وقال النائب نهاد المشنوق: «طالما ان جميع اللبنانيين مسلم برفض التوطين لماذا لا يتم التعامل مع الجانب الانساني في هذا الموضوع؟». ودعا النائب نبيل نقولا الى طرح السؤال على «المجتمع الدولي الذي سبب بتهجير الفلسطينيين... وتمنى «عدم التسرع واعطاء صفة الاستعجال في هذا الموضوع»، وأيده بذلك كنعان الذي اكد تأييده للحقوق المدنية». اما عدوان فرأى ان «من غير المسموح الابقاء على بؤر البؤس والحرمان في المخيمات من الناحية الانسانية، ولكن علينا ان نضع مشروعاً متكاملاً نتوافق عليه جميعاً انطلاقاً من هذه القناعة وانتظار شهر ليس بالمشكلة». وقال مجدلاني: «هناك ضرورة للتأني في دراسة هذه الاقتراحات ولا داعي للعجلة». وقال النائب سيمون ابي رميا ان قراراً من هذا النوع «ولاهميته لا يجوز ان يرسخ الانقسام السياسي». ورد جنبلاط قائلاً: «الكلام اليميني لم يتغير والحصار على غزة فشل وقويت «حماس»، والحمد لله انها خرجت قوية وقد نرى غداً التحركات الفلسطينية وغير الفلسطينية... اذا اردتم التأجيل اجلوا، الخشية ان يتكرر مشهد مخيم نهر البارد». وهنا اقترح الرئيس الحريري على النواب ابي نصر والجميل ومن نواب «تكتل التغيير والاصلاح» ان يضعوا اقتراحاً متكاملاً وان يتم تأجيل هذه الاقتراحات شهراً. فاقترح بري رد الاقتراحات الاربعة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية الى لجنة الادارة والعدل على ان يعود المجلس الى مناقشتها بعد شهر ورفع الجلسة.