تسارعت الجهود الاقليمية والدولية لاحتواء ازمة اعمال العنف المتواصلة منذ الخميس الماضي في قرغيزستان، مع ارتفاع عدد الضحايا الى 117 قتيلاً و1485 جريحاً، وتفاقم الاوضاع الانسانية في إقليم جلال أباد (جنوب) بعد فرار عشرات الآلاف من اقلية الاوزبك نحو الحدود مع اوزبكستان، فيما تحدث شهود عن مئات من الجثث تحت أنقاض البيوت المحترقة. وخابت آمال الحكومة القرغيزية العاجزة عن مواجهة الموقف باتخاذ منظمة الأمن والتعاون الجماعي قرار التدخل عسكرياً، وذلك بعدما عقدت المنظمة التي تضم سبعة بلدان هي: روسيا وبيلوروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، اجتماعاً طارئاً في موسكو أمس، لبحث المخاوف من اتساع الأزمة وانعكاساتها المحتملة على بلدان الجوار. وانعقد الاجتماع الذي دعت اليه روسيا بصفتها الرئيس الدوري للمنظمة على مستوى رؤساء مجالس الأمن في الدول الاعضاء. واستهله سكرتير مجلس الامن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف بتأكيد ضرورة «تبني موقف مشترك من أحداث قرغيزستان الدراماتيكية، وبحث الإجراءات التي يجب اتخاذها جماعياً لوقف النزاع العرقي الدائر في هذا البلد»، فيما أكدت قرغيزستان انها لا تملك امكانات «لمواجهة حالة طارئة بهذا الحجم». وسيطرت على الاجتماع مخاوف من تأثير الأحداث الدموية الدائرة على الوضع في الجمهوريات المجاورة. وبدا الموقف الأوزبكي الأكثر تأثراً نظراً الى أن أعمال العنف والقتل استهدفت أبناء القومية الأوزبكية في قرغيزستان، وتسببت بموجات لجوء كبرى وبمخاوف من انتقال حال الغضب الى داخل اوزبكستان الذي بدأ يشعر بالتململ بسبب بطء اتخاذ تدابير للدفاع عن الاوزبك في البلد المجاور، كما قال معلق اوزبكي ل «الحياة». وفيما نبه الرئيس الاوزبكي اسلام كريموف في اتصال هاتفي اجراه مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف نبه الى مخاطر تصاعد الموقف في قرغيزستان، رفضت موسكو طلباً ملحاً قدمته الحكومة القرغيزية بارسال قوات لحفظ السلام إلى جنوب قرغيزستان، ما عكس تفضيلها الخروج بموقف جماعي يريحها من تحمل كلفة التدخل العسكري في قرغيزستان منفردة، علماً ان موسكو أرسلت في اليومين الاخيرين طائرات مساعدات انسانية وكتيبة مظليين مؤلفة من 150 شخصاً مهمتها الوحيدة، بحسب مصادر عسكرية روسية، حماية منشآت ومبانٍ يقطنها روس. كذلك، لم تبدِ كازخستان حماسها لتدخل عسكري في البلد الجار. وقال ناطق باسم الرئاسة الكازاخية لاذاعة «صدى موسكو» الروسية إن «منظمة الأمن الجماعي يجب ان تتدخل حين تكون سيادة أحد أعضائها معرضة للخطر، وليس لمواجهة صراعات داخلية». وفي ختام اللقاء، اصدر المجتمعون بياناً انتقدوا فيه «عدم فاعلية التحرك الحكومي القرغيزي مطالبين بشكيك ببذل جهود أكبر للسيطرة على الوضع. وأورد البيان ان المجتمعين «ناقشوا خطوات عملية لمواجهة الموقف ستعرض على رؤساء الدول الاعضاء واللجان المختصة لمتابعة العمل في شأنها»، في اشارة غير مباشرة الى احتمال اتخاذ قرار في وقت لاحق لتدخل عسكري. ودعا البيان الشعب القرغيزي إلى «ضبط النفس وعدم الانجرار الى الاعمال الاستفزازية». وكان خبير عسكري روسي انتقد بقوة تردد موسكو في ارسال قوات إلى قرغيزستان. وقال إن «الوضع في هذه الجمهورية أظهر عجز السياسة الاقليمية، في اول اختبار جدي أمام منظمة الأمن والتعاون الجماعي»، علماً أن موسكو كانت أصرت خلال العامين الأخيرين على تشكيل «ذراع عسكرية» للمنظمة. وزاد: «الوضع الحالي في قرغيزستان يثير شكوكاً حول أهمية الإصرار الروسي على إنشاء ذراع عسكرية في وقت لا تبدو روسيا وجاراتها جاهزة لتدخل عسكري يوقف اراقة الدماء في بلد عضو في المنظمة؟» وتظاهر مئات من ابناء القومية الأوزبكية القادمين من مناطق الجنوب القرغيزي امام مبنى وزارة الخارجية الروسية أمس، داعين موسكو الى التدخل لانقاذ من تبقى من ذويهم. ونقل المشاركون شهادات مروعة عن الاحداث الدائرة جنوب قرغيزستان. وقالوا إن «المهاجمين استهدفوا المنازل والمزارع التابعة لابناء القومية الاوزبكية لاحراقها، بينما كتب مجهولون على منازل السكان القرغيزيين عبارات تدل إلى انتمائهم العرقي لتجنب مهاجمتهم». كما اشاروا إلى انتشار قناصة قتلوا عشرات بإطلاق النار عليهم. وتحدث البعض عن ان العدد الحقيقي لضحايا الهجمات يزيد على 700 شخص وان جثثاً كثيرة ما زالت تحت انقاض المنازل المحروقة التي يصعب الوصول اليها. وكانت منظمات انسانية اشارت الى تدهور الوضع الانساني في شكل حاد في المنطقة وطالبت بتدخل دولي عاجل لانقاذ الموقف.